قال أبو سعيد : أما" أن" الداخلة على الأفعال فتنصب المستقبل منها وتكون معها بمنزلة المصدر فهي تدخل على الماضي والمستقبل كقولك : " أعجبني أن دخلت الدار". و" تعجبني أن تزورنا" ولا تقع للحال. وقد ذكرت في غير موضعها.
وأما" أن" التي بمعنى" أي" فهي نائبة عن القول وتأتي بعد فعل في معنى القول وليس بقول. كقولك : كتبت إليك أن قم. تأويله : قلت لك : قم. ولو قلت لك : أن قم لم يجز. لأن القول يحكي ما بعده. ويؤتى بما بعده باللفظ الذي يجوز وقوعه في الابتداء.
وما كان في معنى القول وليس بقول فهو يعمل وما بعده ليس كالكلام المبتدأ وهذا الوجه في" أنّ" لم يعرفه الكوفيون ولم يذكروه. وعرفه البصريون وذكروه. وسموه" أن" التي للعبارة وحملوا عليه قوله عزوجل : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا)(١) ، وفي تقديره وجهان :
أحدهما : انطلقوا. فقال بعضهم لبعض" امشوا واصبروا" وذلك أنهم انصرفوا عن مجلس دعاهم فيه النبي صلىاللهعليهوسلم إلى التوحيد لله عزوجل وترك الآلهة دونه وصار" انطلق الملأ منهم" لما اضمروا القول بعده بمعنى : فعل يتضمن القول نحو : كتب واشباهه.
والوجه الآخر : أن يكون" انطلقوا" بمعنى" تكلموا" كما يقال : انطلق زيد في الحديث كأن خروجه عن السكوت إلى الكلام هو الانطلاق.
ويقال في" امشوا" أي : اكثروا ونموا. والمشاء : النماء. وأمشيت الماشية ماشية.
وأهل الكوفة جعلوا" أن" في موضع نصب بإسقاط الخافض وهو" الباء" كأنه قال : وانطلقوا بالمشي وحقيقته : أي قال بعضهم لبعض" أمشوا" وقد ذكر كونها بعض الثقيلة وأحكامها وزيادتها.
وأما" أن" المخففة التي للإيجاب فهي مخففة عن الثقيلة فإن بقيت أعمالهم لم يحتج إلى" اللام" كما لا يحتاج في الثقيلة كقولك : أن زيدا قائم وإن شئت أدخلت اللام فقلت : أن زيدا لقائم ولا تدخل إلا على اسم وخبر.
وإن خففتها ولم تعملها لزمت" اللام" فيما بعدها للدلالة على الفرق بينها وبين" أن" في معنى الجحد ودخلت على الاسم والفعل فالاسم كقولك : أن زيد لذاهب والفعل
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٦.