أغفر له. وأما" أنّ" فإنّها توصل بما يصير معها مصدرا وهو الفعل المحض. سواء كان أمرا أو خبرا لأن المعنى الذي يراد به يحصل فيه. ألا ترى أنك إذا قلت : " أمرت بأن قم" فمعناه : أمرت بالقيام.
وأعلم أن" أن" إذا كانت بمعنى" أي" للعبارة فهي محتاجة إلى ثلاثة شرائط.
أولها : أن يكون الفعل الذي تفسره أو تعبر عنه فيه معنى القول. وليس بقول. وقد مضى هذا.
والثاني : ألا يتصل به شيء من صلة الفعل الذي تفسره لأنه إذا اتصل به شيء منه صار في جملته ولم يكن تفسيرا له. كالذي قدره سيبويه : أوعزت إليه بأن أفعل.
والثالث : أن يكون ما قبلها كلام تام وما بعدها جملة تفسر جملة قبلها ومن أجل ذلك كان قوله عزوجل : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١) ، وأخر قولهم : أن لا إله إلا الله بمعنى : " أنه". ولم يصلح أن يكون بمعنى" أي". لأن قوله وآخر دعواهم مبتدأ لا خبر معه. فهو غير تام فلا يكون بعده ، " أن" بمعنى" أي) وقوله عزوجل : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا)(٢) كأنه قال : ناديناه أنك قد صدقت الرؤيا. ومعناه بأنك قد صدقت يا إبراهيم.
وأجاز الخليل أيضا على" أن"" لأن" ناديناه كلام تام معناه : قلنا له يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ومثله : (أرسل إليه أن ما أنت وذا) فهي على" أي" وعلى : " أنه" لأنه يحسن فيه الباب وقوله : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها)(٣) تكون" أن" بمعنى : المشددة ولا تكون بمعنى" أي" لأن قوله : (والخامسة) ليس كلام تام. وإذا كانت" أن" بمعنى المشددة ففيها إضمار اسم. وإذا لم يكن ذلك الاسم المضمر مما عرف وجرى ذكره فهو ضمير الأمر والشأن وهذا معنى قوله : " لا تخففها في الكلام أبدا وبعد الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة مضمرا فيها الاسم. وإن لم تضمر فيها نصب" بكأن" في قوله :
.. كأن وريديه رشاء خلب ..
__________________
(١) سورة يونس ، الآية : ١٠.
(٢) سورة الصافات ، الآيتان : ١٠٤ ، ١٠٥.
(٣) سورة النور ، الآية : ٩.