ولو أنهم إذ حذفوا جعلوه بمنزلة" إنما" كما جعلوا أن بمنزلة" لكن". لكان وجها قويا.
وأما قوله : أن باسم الله فإنما يكون على الإضمار لأنك لم تذكر مبتدأ ومبنيا عليه والدليل على أنهم إنما يخففون على إضمار" الهاء" أنك تستقبح : قد عرفت أن تقول ذلك حتى تقول" لا" أو لا تدخل" سوف" أو السين" أو قد" ولو كانت بمنزلة حروف الابتداء لذكرت الفعل مرفوعا بعدها كما تذكره بعد هذه الحروف كما تقول : " ولكن يقول".
قال أبو سعيد : أما قوله عزوجل : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ)(١) فقد ذكرناه في الباب الذي تقدم قبل هذا وقوله : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)(٢) " فأن" بمعنى" أي" وهي تفسير" ما أمرتني". لأن في الأمر معنى القول. ولو قلت." ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله" لم يجز لأنه قد ذكر القول ، وإذا قلت" كتبت إليه أن أفعل وأمرته أن قم" ففيه وجهان :
أحدهما : أن" أن" وفعل المصدر بعدها بمنزلة المصدر وموضعها نصب أو خفض ومعناه كتبت إليه بأن أفعل. وأمرته" بأن" قم وحذفت الباء.
والوجه الآخر : أن تكون" أن" بمعنى" أي" فلا تدخل فيه الباء ؛ لأن الباء إذا دخلت صارت" أن" داخلة في الفعل الذي قبلها وهي جملة واحدة وإذا كانت بمعنى" أي" فهي جملة تفسر الجملة التي قبلها.
وشبه سيبويه وصل" أن" بالأمر والنهي كوصل" الذي" بفعل المخاطب حين تقول : أنت الذي تفعل وأنت الذي تقول : فإن قال قائل : " الذي" لا توصل بفعل الأمر لا يجوز : الذي قم إليه زيد. فلما جاز وصل" أن" بفعل الأمر؟ قيل له الذي يحتاج إلى صلة هي إيضاح ولا يجوز وصلها بما ليس بخبر من الفعل والجملة ولو وصلتها بالاستفهام أو بغيره مما ليس بخبر لم يجز. ولا يجوز : الذي هل هو في الدار زيد ولا مررت بالذي اللهم
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٦.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ١١٧.