وقوله : ولو قبح دخولها هاهنا لقبح في الاسم ؛ يعني لو قبح دخول" لا" في قولك : لا أكرمك ولا أسرك لقبح في قولك : ولا كرامة ولا مسرة ؛ لأن هذا الاسم يعمل فيه الفعل كما قبح : لا ضربا. إذا أردت : لا اضرب يعني : دخول" لا" على فعل الأمر لا يجوز ؛ لأن صيغة الأمر تجري مجرى الإيجاب. وصيغة النهي تجري مجرى الجحد.
ألا ترى أنا لو أدخلنا لام الأمر لم يجز أن تدخل معها" لا" التي للنهي ولا" لا" التي للجحد في الخبر. لا تقول : لا ليقم زيد ؛ لأنك تصير آمرا ناهيا بحرف النفي ، ودخول حرف الأمر كما لا تكون جاحدا الشيء معترفا به ، و" لا" التي للخبر لا يصلح دخولها على الأمر فتكون آمرا مخبرا وهذا لا يجوز.
وإنما تدخل" لا" التي في الخبر على فعل هو خبر ؛ لأن الجحد والإيجاب هما خبران كقولك : أكرمك ولا أكرمك وأسرك ولا أسرك.
وقولهم : لا سواء إنما يتكلم به المتكلم عند ادعاء مدع لاثنين جرى ذكرهما أن أحدهما مثل الآخر ؛ أي هما سواء فيقول المنكر لمن قال : لا سواء أي هما لا سواء. أو هذان لا سواء ، فهذان مبتدأ" وسواء" خبره ، ودخلت" لا" لمعنى الجحد واستجازوا حذف المبتدإ لأنهم جعلوا" لا" كافية من المبتدإ لكثرة الكلام عند رد بعضهم على بعض ادعاء التساوي في الشيئين.
وشبهه بجعل" ها" عوضا عن واو القسم في : (لا ها الله ذا) وعوض" ها" من الواو أوكد ؛ لأن المبتدأ المحذوف يجوز أن يؤتى به فيقال : هذان لا سواء ، ولا يجوز أن يؤتى بالواو مع" ها" لأنهم قد غيروا لفظ الكلام في الأصل وترتيبه ؛ لأن أصله لا والله هذا ما أقسم به ، ثم قدموا" ها" وفصلوا بين حرفي التنبيه والإشارة : " ها" و" ذا" ولو لم تدخل" لا" لم تقل : سواء وأنت تعني : هما سواء.
وقولهم : لا نولك أن تفعل كذا هذا هو من التناول للشيء ، وهم يريدون به الاختيار ، فإذا قالوا : قولك أن تفعل كذا وكذا فمعناه : ينبغي لك أن تفعل كذا ، والاختيار لك أن تفعل.
" ولا نولك أن تفعل" معناه : لا ينبغي لك أن تفعل ، وقد يوقع" قولك" على جميع فعله.
ألا ترى أن الأخذ قد يستعمل في جميع الأفعال حتى يقال : فلان لا يأخذ ولا يترك إلا بأمر فلان.
ويستعمل في موضع ضد الترك ولهذا صار : نولك بمعنى فعلك ؛ لأن التناول بمعنى