وقال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب : فكيف يكون بدلا والأول منفي وما بعد" إلا" موجب؟
فالجواب عما قاله أحمد بن يحيى : أنه بدل منه في عمل العامل فيه وذاك أنا إذا قلنا :
ما أتاني أحد. فالرافع" لأحد" هو" أتاني" أيضا فكل واحد من" أحد" و" زيد" يرتفع ب" أتاني" إذا فرد به.
فإذا ذكرناهما جميعا فلا بد من أن يكون الأول منهما يرتفع بالفعل ؛ لأنه يتصل به. ويكون الثاني تابعا له. كما يتبعه إذا قلنا : جاءني أخوك زيد. لا يقال : زيد فاعل ؛ لأن أخوك باتصاله بالفعل صار فاعلا ، وزيد بدل منه ، وأما اختلافهما في النفي والإيجاب فلا يخرجهما عن البدل ؛ لأن مذهب البدل في ذلك أن تقدر الأول في تقدير ما لم يذكر. والثاني في موضعه الذي رتب فيه.
فإن كان الفعل الذي ارتفع به الأول إذا لم يذكر الأول عمل في الثاني في موضعه الذي رتب فيه علمنا متى ذكر أن الثاني بدل منه ؛ لأن الفاعل لا يكون أكثر من واحد.
وقد يقع في العطف والصفة ما يكون الأول موجبا والثاني منفيّا.
فأما العطف : فجاءني زيد لا عمرو. ومررت بزيد لا عمرو ، فالأول موجب والثاني منفيّا ،واختلفا في النفي والإيجاب لدخول"لا"بينهما وأحدهما معطوف على الآخر.
وتقول في الصفة : " مررت برجل لا كريم ولا لبيب"" فكريم" خفض لأنه صفة لرجل وأحدهما موجب والآخر منفي ، وقد يجوز النصب فيما يختار فيه البدل. كقولك : ما أتاني أحد إلا زيدا : وما مررت بأحد إلا زيدا".
وإنما اختير البدل ؛ لأن البدل والاستثناء في المعنى واحد. وفي البدل فضل موافقة ما قبل" إلا" لما بعدها في اللفظ ، ويقويه أيضا : إجماع القراء والمصاحف على : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ)(١) إلا أهل الشام ومصحفهم. فإنهم قرأوا : " إلا قليلا منهم" وكذلك هو في مصحفهم وقرأ القراء (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ)(٢).
وحكى سيبويه عمن لم يسمعه من النحويين : أن المنفي إذا جاز في لفظه الإيجاب لم يجز فيه البدل ، ولم يكن غير النصب كقولك : ما أتاني القوم إلا أباك ؛ لأنه بمنزلة : " أتاني القوم لا أباك".
__________________
(١) سورة النساء ، من الآية ٦٦.
(٢) سورة النور ، من الآية ٦.