والقول الذي ذهب إليه سيبويه هو الصحيح وشاهده القرآن والقياس.
فأما القرآن فقوله عزوجل : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦] فرفع. وفعلوه يقع في الإيجاب ، وأما القياس : فإنه قد أحاط العلم أنا إذا قلنا : " ما أتاني أحد" فقد دخل فيه القوم وغيرهم. فإنما ذكرنا في بعض ما اشتمل عليه أحد مما يستثنى بعضه.
وقد احتج عليهم سيبويه ببعض ما ذكرناه. وبأن قال : كان ينبغي لمن قال ذلك أن يقول : " ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيد".
والصواب : نصب زيد." ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا". لأنك لما قلت : ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك ، صار الكلام موجبا لما استثني من المنفي. وكأنه قال : كلهم قالوا ذاك. فاستثنى" زيدا" من شيء موجب في الحكم فنصب. وإنما ذكر هذا لأنه ألزم القائل بما ذكر من جواز" ما أتاني أحد إلا زيد" ومنع : " ما أتاني القوم إلا زيدا" بأن قال : إن كان وجوب النصب لأن الذي قبل" إلا" جمع فقد قال تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) [النور : ٦] فرفع بعد الجمع.
وإن كان جواز الرفع والبدل لأن الذي قبل" إلا" واحد فينبغي أن يجيزوا الرفع في قولهم : ما أتاني أحد إلا قال ذاك إلا زيد" والواجب فيه النصب.
وإنما ألجأهم سيبويه إلى أن يقولوا : إن الذي يوجب البدل أن يكون ما قبل" إلا" منفيّا فقط ، جمعا كان أو واحدا.
وذكر سيبويه في النفي ما يكون له اسم ظاهر واسم مكني متعلقان بعاملين مختلفين. فيجوز البدل من أي الاسمين شئت ، ولم يجز في بعضه البدل إلا من أحد الاسمين دون الآخر.
فأما الذي يجوز فيه البدل من أي الاسمين شئت فهو الذي كل واحد من عاملي الاسمين مجحود في المعنى.
وأما الذي لا يكون البدل إلا من أحد الاسمين فهو الذي عامل أحد الاسمين مجحود وعامل الآخر غير مجحود ، فتبدل من الاسم الذي عامله مجحود دون الآخر.
فمما يبدل من الاسمين فيه قوله : ما منهم أحد اتخذت عنده يدا إلا زيد" ويجوز خفض" زيد" فرفعه على أن تبدل من" أحد" وخفضه على أن تبدله من الهاء في عنده ؛ لأن المعنى : ما اتخذت عند أحد يدا إلا زيد.
وكذلك : كل مبتدإ دخل عليه حرف الجحد ثم وقع على ضميره شيء من خبره كان لك أن تبدل منه أو من ضميره كقولك : " ما أحد منهم ضربته إلا زيد وإلا زيدا" وما