قال أبو سعيد : اختلف النحويون في الناصب للمستثنى في قولنا : أتاني القوم إلا زيدا ، فأما ما قاله سيبويه في أبواب من الاستثناء أنه يعمل فيه ما قبله من الكلام كما تعمل" عشرون" فيما بعدها إذا قلت" عشرون درهما". وقد قال في هذا الباب : " وعلى هذا ما رأيت أحدا إلا زيدا. تنصب" زيدا" على غير رأيت ، وبعده : والدليل على ذلك أنه يجئ على معنى ولكن زيدا ولا أعني زيدا. وكذلك في آخر هذا الباب : " إن لفلان مالا إلا أنه شقي" فإنه لا يكون أبدا على : إن لفلان. وهو في موضع نصب وجاء على معنى" ولكنه شقي". وقد كشف سيبويه ذلك بأبين مما تقدم. وهو قوله في باب" غير" : " ولو جاز أن تقول أتاني القوم زيدا تريد الاستثناء ولا تذكر" إلا" لما كان نصبا.".
قال أبو سعيد : والذي يوجبه القياس والنظر الصحيح أن تنصب زيدا بالفعل الذي قبل" إلا". وذلك : أن الفعل ينصب كل ما تعلق به بعد ارتفاع الفاعل به. على اختلاف وجوه المنصوبات به وكل منصوب به. فمن ذلك المفعول الصحيح كقولك : " ضربت زيدا ، والمصدر ، والظرف من الزمان والمكان ، والحال. وكذلك تنصب المفعولات التي حذفت منها حروف الجر فوصل إليها الفعل. والاسم الذي ينتصب بعده على التمييز كقولك : " تفقأت شحما". وتملأت غيظا" و" اشتعل الرأس شيبا".
ومنها : ما تنصب ما بعدها بتوسط حرف بينهما كقولهم : ما صنعت وأباك ، و" استوى الماء والخشبة".
فلما كان" أتاني" قد ارتفع به فاعله وهم : " القوم" وكان ما بعد" إلا" متعلقا به انتصب.
وتعلقه به : أن أتاني ذكر بعده" القوم" المرتفعون به. وذكر بعد" إلا" الاسم المنصوب ، ليعلم اختلاف حال تعلقهما به.
وكقولك : رأيت زيدا لا عمرا ، قد تعلق حال" زيد" و" عمرو" برأيت على اختلاف أحوالهما في التعلق به.
وكان أبو العباس المبرد والزجاج يذهبان إلى أن المنصوب في الاستثناء ينتصب بتقدير : " استثنى" ويجعلان" إلا" نائبة عن" أستثني" وكأنه قال : أتاني القوم أستثني زيدا ، وهذا غير صحيح لأنا نقول : أتاني القوم غير زيد فننصب غير ، ولا يجوز أن نقول : استثنى غير زيد ، وليس قبل" غير" حرف تقيمه مقام الناصب له وإنما قبله فعل وفاعل ولا بد له إذا كان منصوبا من ناصب. فالفعل هو الناصب ، وناصب" غير" هو الناصب لما بعد" إلا".