وذكر الفراء عن البصريين أنهم قالوا : نصبنا المستثنى بإضمار فعل معناه لا أعني زيدا.
وأظنه أراد ما قاله سيبويه في الموضع الذي حكينا فيه عنه من هذا الباب" ولكن زيدا. ولا أعني زيدا".
قال أبو سعيد : هذا تفسير لمعنى الاستثناء وليس بتحقيق للناصب له. وناقضهم الفراء على الذي حكاه عنهم. ولم يتشاغل به لأنه ظن ظنه بهم.
وأما قول سيبويه عقيب قوله" وعلى هذا : ما رأيت أحدا إلا زيدا فننصب زيدا على غير رأيت" فإنما يريد : فتنصب زيدا على غير البدل ولكن على الاستثناء كما تستثني من" أتاني القوم إلا زيدا".
فإذا قلنا : " ما رأيت أحدا إلا زيدا ، فنصب (زيد) على وجهين :
أحدهما : أن تجعله بدلا من" أحد".
والآخر : أن تنصبه على الاستثناء.
والعامل للنصب في الوجهين هو : رأيت.
ومثله مما ينصب على معنيين وتقديرين مختلفين قولك : " صمت اليوم" نصبت اليوم على وجهين :
على الظرف ، وعلى أنه مفعول على سعة الكلام.
والعامل فيه" صمت" في الوجهين جميعا.
ومعنى نصبه على الظرف أن تقدر فيه"في"وإن حذفت كأنه قال : صمت في اليوم.
ومعنى نصبه على سعة الكلام : أن تقدير" في" ويكون وصول" صمت" إلى" اليوم" كوصول" ضربت" إلى زيد".
وقال الكوفيون في ذلك قولين مختلفين :
أما الكسائي : فيما حكي عنه فقال : إنما نصبنا المستثنى لأن تأويله : قام القوم إلا أن زيدا لم يقم".
وقد رده الفراء بأن قال : " لو كان هذا النصب بأنه لم يفعل لكان مع" لا" أوجب في قولك : " قام زيد لا عمرو".
قال أبو سعيد : ولا يلزم الكسائي ما ألزمه الفراء على ظاهر الكلام ؛ لأن الكسائي احتج بظهور عامل ناصب بعد" إلا" فحمل" زيدا" على ذلك الناصب وهو" أن" في قوله : إلا أن زيدا لم يقم" فإذا قلت : قام زيد لا عمرو" لم تقل : قام زيد لا أن عمرا لم يقم.