ومن ذلك من الكلام : لا تكونن من فلان في شيء إلا سلام بسلام. ومن ذلك أيضا من الكلام فيما حدثنا أبو الخطاب : ما زاد إلا ما نقص. وما نفع إلا ما ضر. (فما) مع الفعل بمنزلة اسم نحو النقصان والضر.
كما أنك إذا قلت : (ما أحسن ما كلم زيدا). فهو : ما أحسن كلامه زيدا ، ولو لا ما لم يجز الفعل بعد إلا في ذا الموضع كما لا يجوز بعد ما أحسن بغير (ما) فكأنه قال : ولكنه ضر ولكنه نقص. هذا معناه.
ومثل ذلك من الشعر قول النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب (١) |
أي ولكن سيوفهم بهن فلول. وقال النابغة الجعدي :
فتى كملت خيراته غير أنّه |
|
جواد فما يبقي من المال باقيا (٢) |
كأنه قال : ولكنه مع ذلك جواد. ومثل ذلك قول الفرزدق :
وما سجنوني غير أني ابن غالب |
|
وأنىّ من الأثرين غير الزّعانف (٣) |
كأنه قال : ولكني ابن غالب. ومثل ذلك في الشعر كثير.
ومثل ذلك : قول عنز بن دجاجة :
من كان أشرك في تفرّق فالج |
|
فلبونة جريت معا وأغدت |
إلّا كناشرة الذي ضيّعتم |
|
كالغصن في غلوائه المتنبّت (٤) |
كأنه قال : ولكن هذا كناشرة.
وقال :
لو لا ابن حارثة الأمير لقد |
|
أغضيت من شتمى على رغم |
إلّا كمعّرض المحسّر بكره |
|
عمدا يسبّبني على الظّلم (٥) |
قال أبو سعيد : هذا الباب يخالف الذي قبله في لغة بني تميم ؛ لأنه لا يمكن فيه
__________________
(١) البيت في ديوانه ٣ ، والخزانة ٢ / ٩ ، ومغني اللبيب ١ / ١١٤.
(٢) البيت في ديوانه ١٧٣ ، والخزانة ٢ / ١٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٩٣.
(٣) البيت في ديوانه ٢ / ٥٣٦ ، والأغاني ١٩ / ٢٣.
(٤) ورد البيتان في المقتضب ٤ / ٤١٦ ، والمفضيات ٢٠٩ ، والمخصص ٦ / ٦٨ ، وفيه ينسب إلى الأعشى.
(٥) قائله النابغة الجعدي ، ديوانه ٢٣٤ ، سر صناعة الإعراب ١ / ٣٠١ ، والمقتضب ١ / ٤١٧.