البدل ولا حذف الاسم الأول منه في التقدير كما أمكن في قول بني تميم إذا قلت : ما فيها أحد إلا حمار. إذا قدر : ما فيها إلا حمار. على الوجهين اللذين ذكرناهما من قول بنى تميم.
فمن ذلك قوله عزوجل : (لا عاصِمَ ...) [هود : ٤٣] فمن رحم يعني : من رحمهالله تعالى. ومن رحمهالله تعالى معصوم فكأنه قال : لكن من رحم الله معصوم. وما بعد (إلا) غير الذي قبله.
ومثله من الكلام لو جاء سيل عظيم يخاف منه الغرق أن يقول قائل : لا عاصم اليوم من هذا السيل إلا من أقام في الجبل ، فالمقيم في الجبل ليس بعاصم. ومعناه : ولكن المقيم في الجبل معصوم منه ، ولا يمكن البدل فيه ؛ لأنه يقال : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ولو رد أيضا المحذوف منه من خبر عاصم لم يجز البدل لو قلت : لا عاصم لهم إلامن رحم.أو ما لهم عاصم إلا من رحم،لم يجز :ما لهم إلا من رحم،ولا معنى لذلك.
وقد قيل : لا عاصم بمعنى : معصوم ، وهذا ضعيف لا يعتد به وأجود من هذا أن يكون من رحم هو الله لأنه الراحم. فكأنه قال : لا عاصم اليوم لهم إلا الله.
كما تقول : لا إله إلا الله.
وأما قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : ٩٨] وقوله : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) [هود : ١١٦] فلا يجوز في واحد منهما البدل ؛ لأنها للاستبطاء والتحضيض ، وفي معنى : لو فعلت ذلك لكان أصلح وهذه أشياء تجري مجرى الأمر وفعل الشرط ، ولا يجوز في شيء من ذلك البدل. لو قلت : ليقم القوم إلا زيد لم يجز كما لا يجوز : ليقم إلا زيد.
وكذلك لو قلت : (إن قام أحد إلا زيد) أو : (لو قام أحد إلا زيد). لم يجز كما لا يجوز أن قام إلا زيد ، ولا : لو قام إلا زيد. ولا يجوز فيه الاستثناء الذي هو : إخراج جزء من جملة هو منها ؛ لأن المقصد من ذلك إلى قوم من الكفار أطبقوا على الكفر به ولم يكن منهم مؤمنون فقبح فعلهم ، ثم ذكر قوما مؤمنين باينوا طريقهم فمدحهم.
ومعنى : (أولو بقية) : أولو خير وصلاح ، ويقال : فلان فيه بقية : أي خير وصلاح.
ويجوز الرفع في : (قوم يونس) ونحوه على الصفة كأنه قال :
هلا كانت قرية غير يونس : كقوله : إلا الفرقدان (١)
__________________
(١) جزء من عجز بيت سبق تخريجه.