الجزائر وخاصة أوضاع سكان الريف ، فراودتني فكرة ترجمتها إلى العربية ، لكن ظروف العمل ومشاغل الحياة حالت دون نحقيق هذه الأمنية آنذاك ، فظلت منسية في رفوف المكتبة الوطنية الفرنسية حتى سمحت لي الظروف مؤخرا بترجمتها ونشرها.
لقد جاءت رحلة هابنسترايت في شكل رسائل وجهها إلى راعي الرحلة ملك بولونيا ومنتخب الساكس يطلعه فيها على ما شاهده أو تعرف عليه أو جلب انتباهه في أثناء سفره في الجزائر وعند انتقاله بتونس أو توجهه إلى طرابلس الغرب ، فجاءت وصفا دقيقا لأوضاع تلك الأقطار وتعبيرا صادقا عن آرائه ، إذ لم يهتم فيما سجله إلا برصد الواقع كما تعرف عليه ، وهذا ما جعلها في الواقع تقريرا أدبيا عن مهمة علمية الهدف منها التعرف على طبيعة البلاد وسكانها والبحث عن الحيوانات والنباتات الإفريقية والوقوف على معالم الحضارة الرومانية ، وهذا ما يلاحظه القارئ من تصفح مضمون الرسائل الأربعة التي تتألف منها الرحلة ؛ فالرسالة الأولى تبدأ بمغادرة هابنسترايت مدينة دريسدن (Dresden) بألمانيا في ٢٣ أكتوبر ١٧٣١ وتوجهه إلى مرسيليا في شهر نوفمبر وركوبه السفينة إلى الجزائر في ٢٤ جانفي ١٧٣٢ ، وقد بدأ في تسجيل ما شاهده أولاحظه بالجزائر منذ ١٦ فبراير من نفس السنة ، واهتم فيها أساسا بتقاليد السكان وأوضاعهم وبسلوك عبدي باشا داي الجزائر ونظام الجيش والظروف التي تميزت بها محاولة الإسبان استرجاع مدينة وهران والمرسى الكبير بعد أن طردوا منها (١٧٠٨).
أما الرسالة الثانية فتحمل تاريخ أول جوان (يونيو) ١٧٣٢ ، وتتضمن أخبار جولته مع فرقة الجند (المحلة) بقيادة الآغا داخل الأقاليم الداخلية وعبر مدن مليانة والمدية وسور الغزلان وبرج حمزة (البويرة).
بينما الرسالة الثالثة كانت بتاريخ ٣١ أغسطس ١٧٣٢ ، ويروي فيها مشاهداته منذ انتقاله من مدينة الجزائر إلى عنابة وحلوله بقسنطينة ثم بعد ذلك إلى القالة ومنها إلى طبرقة ورأس نيغرو وباجة حيث التقى بباي تونس حسين بن علي.