أما الرسالة الرابعة والأخيرة فهي مؤرخة في ٥ أكتوبر ١٧٣٢ ، وقد أدرج فيها أخبار سفره من تونس إلى طرابلس ، التي اقتصر فيها على بعض الملاحظات بعد أن لم يتمكن من الانتقال إلى الأقاليم الداخلية لتخوف الحكام من تدهور الأوضاع بسبب ظروف استيلاء الإسبان على وهران والمرسى الكبير (١٧٣٢).
إن رحلة هابنسترايت رغم اختصارها وقصر الفترة الزمنية التي استغرقتها ، وهي حوالي عشرة أشهر ، إلا أن غنى معلوماتها ودقة ملاحظاتها ، تؤكد لنا قيمتها التاريخية وتجعلها لدى الباحثين من المصادر المهمة التي تعرف بأوضاع أقطار المغرب العربي في النصف الأول من القرن الثامن عشر ، ولعل أهميتها تكمن في أنها :
١. تلقي الضوء على فترة مهمة وخطيرة ، وهي الربع الأول من القرن الثامن عشر الذي تحولت فيه ولايات الجزائر وتونس وطرابلس الغرب من مجرد ولايات عثمانية تابعة للدولة العثمانية إلى كيانات سياسية مستقلة بشؤونها وإن ظلت هذه الولايات المستقلة مرتبطة بالسلطة الشرعية للسلطان العثماني باعتباره راعي شؤون المسلمين ورمز وحدتهم السياسية وتضامنهم الديني.
فالرحلة بما تضمنته من معلومات تقدم إيضاحات على هذا التحول وتعرفنا على تطور الحكم بالجزائر بعد أن ألغي المنصب الشرفي للباشا الممثل الشخصي للسلطان لفائدة الداي ، فأصبح حكام الجزائر المعروفون بالدايات الباشوات مستقلين فعليا عن الدولة العثمانية منذ ١٧١٧. كما أن تونس تأكد كيانها السياسي مع استقرار الحكم في سلالة حسين علي التركي الذي استقل بحكمها منذ ١٧٠٥ والذي أعجب هابنسترايت بشخصيته. ونفس الوضع عرفته طرابلس الغرب التي استقل بشؤونها الباشا أحمد القرامانلي منذ ١٧١١ وورث الحكم لأسرته ، وقد نال تقديرا خاصا من هابنسترايت الذي تعرف عليه وقدر مواهبه.
٢. تتضمن معلومات معتبرة عن علاقة الحكام بطوائف السكان بالمدن والمجموعات القبلية في الريف ، وتعرفنا على صلاحيات الديوان وسلوك