المسؤولية فإن الجميع يرغبون فيها ، أما الداي الذي يحكم الجزائر الآن فهو عبدي آغا (١) وقد ضحى أخيرا ببعض موظفيه الكبار الذين تآمروا على شخصه وذلك حتى يضمن سلامته ، وقد احتاط للأمر فاتخذ لهذا الغرض عددا من الجواسيس الذين لا يخفى عن أعينهم إي شيء ، ورغم طيبة هذا الداي فهو يخشى أن تكون نهايته مثل سلفه الذي انتهت حياته بالاغتيال (٢) ، وقد رأيت هذا الداي مصفر الوجه وهو يرتعد في اليوم الأول من عيد الأضحى وهو المناسبة التي يمد فيها يده ليقبلها كل من حضر لتحيته فيكون بذلك عرضة للاعتداء وهدفا سهلا للاغتيال ، وفي غير هذه المناسبة لا يمكن رؤيته أبدا ، فهو يتخذ من تقدمه في السن حجة تعفيه من الاختلاط بالآخرين ، وهو مع ذلك رجل ذو أريحية وصاحب خبرة في الحكم ، وقد برهن فعلا على كفاءته هذه ، فمنذ سنوات استدعى الجند الذين كانوا غير راضين عن حكمه ، وبعد أن وجه إليهم خطابا برر فيه سياسته أعلن تنازله عن كرسي الحكم وأخذ مكانه بين الآغوات الذي كان واحدا منهم قبل توليه منصب الداي وتوجه إليهم قائلا : فليتقدم غيري ليشغل هذا المنصب الخطير ، ولم يعد إلى كرسي الداي إلا بعد أن ألحوا عليه وقبل الجند طلبه بإعلان الولاء له.
مداخيل الداي ذات قيمة معتبرة فقد قدرها لوجي دوتاسي بمائتي ألف
__________________
(١) أنظر ترجمة الداي عبدي باشا : الهامش رقم ٨.
(٢) الداي الذي خلفه كرد عبدي في تولي حكم الجزائر هو محمد داي الذي انتهت حياته بالقتل بسبب نقمة الجند عليه إثر إيقاعه العقاب ببعض رياس البحر الذين اقترفوا أعمال نهب ، فدبرت جماعة من الجند (اليولداش) مؤامرة ضده ونصبت له كمينا على الساعة العاشرة صباحا يوم ١٨ مارس ١٧٢٤ داخل مدينة الجزائر عند ما كان عائدا من تفقد بعض الأبراج ، فصوب نحوه أحد الجنود من على سطح ثكنة البحرية طلقة نارية أصابته بين كتفيه وأردته قتيلا ، فسارع أعوانه وفي مقدمتهم الخزناجي إلى دار الإمارة بالجنينة وأغلقوا الأبواب ليحولوا دون انتشار الفوضى ، وسارعوا بإعلان آغا العرب أو قائد الصبائحية كرد عبدي دايا ، الأمر الذي ساعد على قمع التمرد وإقرار الهدوء. أنظر :
H. D. de Grammont, op. cit.