رحلتي بالأجزاء الشمالية بإقليم موريطانيا (منطقة شمال إفريقيا) ، وذلك أننا أثناء سفرنا كنا ننتقل دائما عبر جبال مرتفعة لا يمكن عبور بعض الأماكن بها ، تفصل بينها أودية صغيرة خصبة ذات مناظر لطيفة.
وسهل متيجة غني جدا بالحنطة وباقي أنواع الحبوب التي تزرع في موسمين سنويا وتعطي محصولين في السنة الواحدة ، وترعى به قطعان من المواشي لا يمكن عدها وهي تدوس بأقدامها الزهور والنباتات النادرة التي لم نجدها أثناء سيرنا إلا وقد قضمتها تلك الحيوانات أو داستها بأقدامها ، الأمر الذي حال دون استعمالها في أبحاثنا. لقد قضينا هذا اليوم في السفر وهذا ما جعل يومنا ينقضي دون أن ننتفع به كثيرا ، ومع حلول المساء وصلنا مدينة البليدة (١) حيث لفتنا الانتباه بسبب الحراسة التي كانت تصاحبنا ، فاجتمع الناس حولنا وكل واحد منهم يريد أن يرى هؤلاء الأجانب الذين من المحتمل أنهم يشاهدونهم لأول مرة ، وكان علينا أن نجتاز جموع الناس وقد لا حظنا أنه كان بصحبتهم أحد القضاة.
وبعد عناء كبير وصلنا إلى المكان المخصص لإقامتنا في أحد منازل حاكم المدينة. وقد أبدى هذا الحاكم استعداده لا ستقبالنا عملا بما جاء في الرسالة التي وجهت له في شأننا ، فبادر بإعطاء الأوامر لإبعاد الجمهور الذي
__________________
(١) مدينة البليدة تقع على بعد ٤٨ كلم من مدينة الجزائر على ارتفاع ٢٣٠ م عند سفح الأطلس المعروف باسمها (الأطلس البليدي) والذي يبلغ ارتفاعه عند كاف الشريعة ١٦٢٩ م. يعود تأسيس البليدة إلى جماعات أندلسية بزعامة سيدي أحمد الكبير ، واستقروا بموقعها سنة ١٥٣٥ بعد أن أقطعهم خير الدين بربروسة أراض زراعية عند انفتاح الوادي الكبير على سهل متيجة ، فتحولت إلى مدينة عامرة (حوالي ١٥٤٠) بعد أن توافد إليها أفراد من القبائل المجاورة ، فغدت من أهم الحواضر الجزائرية لغنى إقليمها ولاستقرار جماعات من الجند الإنكشاري بها بعد انتهاء خدمتهم. تعرضت للعديد من الزلازل العنيفة كان آخرها وأعنفها زلزال عام ١٨٢٥ الذي كاد أن يمحوها من الوجود وتسبب في تناقص سكانها من ٠٠٠. ٢٠ إلى حوالي ٠٠٠. ٣ عند تعرضها للاحتلال الفرنسي سنة ١٨٣٤.