وتقدير لمهنته هذه ، وفي هذا الصدد قدمت خدمات للمرضى الذين عرضوا علي حسبما أمكنني ذلك ، وقد استعملت في ذلك بعض النباتات الشائعة والتي تنمو بناحيتهم وأوضحت لهم كيفية استعمالها ، وهذا ليس بغرض التخلص منهم ، فقد كان يدفعني إلى ذلك إيماني بأن نعمة الخالق جعلت الدواء الذي يحتاجونه في شكل نباتات تنمو عند أقدامهم ، وكانت أتعابي كطبيب في هذه المعالجات لا تتجاوز غالبا تقديم كأس من الماء البارد أو تناول قليل من الحليب اللذيذ ، هذا وقد اتخذت لنفسي قاعدة في ممارسة الطب في البلدان غير المتحضرة (١) أن لا أرفض تقديم العون لأي شخص ما دمت قادرا عليه ، لأن الامتناع موقف يتصف بالخطورة ، بينما الإقدام على المعالجة دون ترو يعتبر حماس واندفاع غير محسوب العواقب ، وهذا ما تطلب مني القول عند بداية معالجة المريض بأن نتيجة علاجه غير أكيدة ، ودفعني إلى التستر عن مهنتي كلما أمكنني ذلك ، وإن مزاولتي لهذه المهنة بنجاح كانت من أجل الحفاظ على حياتي وليس من أجل كسب النقود.
إن الجبال التي سوف أتكلم عنها في سفري وفرت لي مجموعة جميلة من النباتات الإفريقية أضيفت إلى مقتنياتي وهي امتداد لسلسلة الأطلس الصغير التي تصل في امتدادها حتى الصحراء ، بينما الأطلس الكبير المتاخم لنوميديا وليبيا هو بعيد جدا عن مملكة الجزائر (٢) ، وقد كنت مبتهجا أن أشاهد
__________________
(١) استعمل صاحب الرحلة هابنسترايت تعبير البلاد المتوحشة (sauvage) ، وهو تعبير غير موفق ويتناقض مع موقفه من سكان البلاد (أنظر هامش رقم ١٤) ، وهذا ما نعتبره هفوة منه ، وقد ترجمنا عبارة" المتوحشة" ب" غير المتحضرة" ، لأنها أصح وأقرب إلى ما كان يرمي إليه صاحب الرحلة.
(٢) هناك بعض اللبس في رواية هابنسترايت ، والمؤكد أنه يقصد ب ـ " الأطلس المتاخم لنوميديا وليبيا" سلاسل جبال الأطلس الجنوبية المحاذية لتخوم الصحراء الشمالية والتي تحدها الهضاب العليا من ناحية الشمال ، وهي تتكون من العديد من الكتل الجبلية ، فبعد سلاسل الأطلس الكبير بالمغرب يستمر تواصلها من الغرب إلى الشرق مع جبال القصور وعمور وأولاد نائل والأوراس والنمامشة والظهر التونسي.