قررت أن لا أخرج في جولاتي مستقبلا دون أن يكون في صحبتي على الأقل أحد الفرسان.
لقد بلغنا في رحلتنا حدود بايليك التيطري (١) الذي يحكمه باي يقيم الآن تحت الخيام خارج المدينة استعدادا لشن حملات تأديبية ضد العرب الممتنعين عن سلطته. وفي هذه الأثناء أبلغ السكان الآغا بأن هناك أسودا بالناحية تفترس الخرفان ، فانتقل إلى المكان الذي أرشدوه إليه بنية قتل بعضها ، وقد عايشت عن قرب الاستعدادات لحملة الصيد هذه دون أن أشاهد ما أسفرت عنه بعد أن تعذر العثور على هذه الأسود ، مع أنه من المؤكد أن هذا الجبل تعيش فيه أسود لأن اللبؤة التي أهديت لي تم العثور عليها في هذا الجبل.
بدلا من مشاهدة الأسود في هذه الحملة ، شاهدت ضبعا تمكن من الهروب رغم إصابته بسهم ، ففقدت الأمل في معاينته وتفحص جلده. وهذا الحيوان (الضبع) شره جدا حتى أنه يقدم على أكل الجثث ، وله مهارة في البحث عنها والعثور عليها تحت التراب. ويعتقد سكان هذه الناحية أن رأسه يمكن أن تستخدم في ممارسة السحر ولهذا يحرصون كثيرا على الاحتفاظ بها ، ولعل هذا من الأسباب التي حالت دون حصولي على هذا الحيوان رغم كل الجهود التي بذلتها.
لقد قضينا الليل في مكان يعرف بالمرابط وهو مقر أحد رجال الدين الذين يعتقد فيهم البركة والمعروفين بالأولياء أو المرابطين ، وهم مفيدون جدا
__________________
(١) بايليك التيطري يشكل إحدى المقاطعات الرئيسية بالبلاد الجزائرية أثناء العهد العثماني ، يحد جنوبا المقاطعة المركزية (دار السلطان) ويفصل بين مقاطعتي الشرق (قسنطينة) والغرب (وهران ومعسكر) ، ويتألف من قبائل متعددة تتكون منها القيادات التي تشكل البايليك ، وهي : التل الظهراوي ، والتل القبلي ، وديرة ، وأولاد مختار ، وأولاد هلال وعنتر ، وقيادة الوسط حول مدينة المدية. أنظر الخريطة رقم ١ الملحقة بالكتاب.