طلقات مدفع تعبيرا عن الترحيب به ، والمدية هي مدينة بها حصن بني على نتوء صخري ليسهل الدفاع عنها ضد القبائل العربية ، ويشهد على تاريخها القديم وجود حنايا مياه رومانية جميلة لا تزال تؤدي الغرض من بنائها حتى اليوم ، فعن طريقها ينقل الماء إلى المدينة من الجبل المجاور ، وهذا ما حافظ على هذه العينة من آثارها القديمة حتى الوقت الحاضر وحال دون تخريبها ، فلولا الحاجة إلى هذه الخدمات التي تقدمها هذه الحنايا لكانت معالمها قد تهدمت وتحولت إلى أنقاض منذ عهد بعيد لعدم اكتراث السكان بهذه الآثار. ولم يفتني رسمها كباقي المعالم التي صادفتني في سفري ، وكنت في كل هذه المناسبات التي أقوم فيها برسم هذه المناظر ألتزم الحيطة لأن السكان ينظرون إلى كل من يقوم بذلك وكأنه جاسوس أو خائن ، فضلا على أن هناك دوافع أخرى تدعوني للحذر بل قد تسبب لي قلقا وخوفا ، فقد أصبحت أنا ومرافقي في سفري هذا موضع شبهة نظرا للاستعدادات الإسبانية للهجوم على الجزائر ؛ وأصبح السكان هنا ينظرون إلينا وكأننا قدمنا إلى البلد لاستطلاع أوضاعه ، وهذا ما جعلني أعتقد أن الدليل الذي كان يصاحبنا هنا والذي هو أحد قضاة أوطان التيطري لم يوضع في خدمتنا إلا بغرض مراقبتنا والاطلاع على نشاطنا ، إذ ليس هناك داع لأن يرافقنا أحد ما دمنا مصاحبين للمحلة وتحت حماية الآغا.
مدينة المدية مشهورة جدا بآبارها الكثيرة التي تتميز بمياهها النوعية ، وهذا شيء نادر في تلك الجهات ، وقد كان هذا الماء موضع اهتمامنا منذ وصولنا ، فأخذنا من كل بئر كمية مختلفة من الماء لتحليلها ومعرفة خصائصها ، وأثناء ذلك علمت أن هناك رجل دين صالح (ولي أو مرابط) يقيم على بعد مسافة يوم من المدية عنده نعامة ، فأعلمت الآغا بذلك فأرسل في
__________________
آخر بايات المدية الباي مصطفى بومزراق الذي عرف بمقاومته للفرنسيين الذين استولوا على المدية سنة ١٨٣١ وجعلوها إحدى مراكزهم الإدارية منذ سنة ١٨٤٠.