تاريخ قديم ؛ لأنه منذ أن طرد البرابرة (الوندال) السكان القدماء للبلاد لم يعد هذا الطريق محل اهتمام قط. وعندما وقفنا على بقايا أنقاض مدينة كبيرة جدا تملكنا إعجاب يصعب وصفه ، إذ رأينا بوابات رائعة مصطفة في نظام بديع وأعمدة رخام وقصور وأسوار لا زالت قائمة وهي من الحجارة المنحوتة ذات الأحجام الضخمة بحيث لم تستطع الحروب المتكررة ولا عوادي الزمان أن تنال منها أو تزيل معالمها ، وفي هذه المدينة الأثرية عثرنا أيضا على أعداد كثيرة من الكتابات الجنائزية المثبتة على القبور ، وهي وإن لم تقدم لنا شيئا ذا دلالة تاريخية عن ماضي المدينة ، إلا أننا قد تعرفنا من خلالها على كتابات تعود للعصر الروماني تتميز بجمال وتناسق حروفها.
على أن الشيء الذي شد انتباهنا أكثر في هذه الآثار هو المدرج الروماني (amphithe؟a؟tre) ، إذ له شكل يميل إلى الطول وقد يصل طول قطره إلى مائة وخمسين قدم ، وهو يدل من خلال جميع مكوناته أنه كان يستعمل لممارسة الألعاب الرومانية ، وقد تعرفنا على الأماكن التي كانت منتظمة في شكل صفوف نصف دائرية ، ولا تزال منها ستة صفوف في حالة جيدة ، هذا وأثناء ذلك بحثنا دون جدوى عن نقش قد يوفر لي بعض المعلومات التاريخية عن هذه المدينة التي لا تبعد إلا بيوم ونصف يوم عن مدينة تونس ، وهي تعرف عند العرب باسم (١) Hamessa)).
__________________
المدن التي يمر بها هي : تاغاست (سوق أهراس) ، وتيبازا نوميديا (تيفاش) ، وتوبربيكا (خميسة) ، وتيسيبيس (عنونة) ، ويتميز هذا الطريق بكونه مبلطا بالحجارة المرصوفة التي تساعد على سير العربات ، تنتشر عبره العديد من المواقع العسكرية.
(١) خميسة وهي المدينة الرومانية المعروفة بتوبربيكا نوميدروم (Thuburbica ـ Numidrum) ، تقع على بعد ١٤ كلم إلى الشمال الشرقي من مدينة صدراتة الحالية. كانت تعتبر من أهم المدن الرومانية بإقليم نوميديا. اشتهرت بكونها مركزا علميا تردد عليه القديس أغسطين وناظر فيه خصومه من دعاة المذهب الدوناتي.