أنا من وراء الستر بيني وبينهم لا يفطنون بي ، ولا يمتنع كل واحد منهم أن يأتي بأصله لهيبتي .
قال : فوجه يحيى فشحن المجلس من
المتكلمين ، وكان فيهم ضرار بن عمرو ، وسليمان بن جرير ، وعبد الله بن يزيد الأباضي ، وموبذان موبذ ، ورأس الجالوت ، قال فتساءلوا وتكافوا وتناظروا ، وتناهوا إلى شاذ من مشاذ الكلام كل يقول لصاحبه لم تجب ويقول قد أجبت ، وكان ذلك من يحيى حيلة على هشام إذ لم يعلم بذلك المجلس ، واغتنم ذلك لعلة كان أصابها هشام بن الحكم ، فلما أن تناهوا إلى هذا الموضع قال لهم يحيى بن خالد : ترضون فيما بينكم هشاماً حكماً ؟ قالوا : قد رضينا أيها الوزير فأنى لنا به وهو عليل ؟ قال يحيى : فأنا أوجه إليه فأسأله أن يتجشم المجئ ، فوجه إليه فأخبره بحضورهم وأنه إنما منعه أن يحضره أول المجلس اتقاء عليه من العلة ، فإن القوم قد اختلفوا في المسائل والأجوبة ، وتراضوا بك حكماً بينهم ، فإن رأيت أن تتفضل وتحمل على نفسك فافعل !فلما صار الرسول إلى هشام قال لي : يا يونس قلبي ينكر هذا القول ، ولست آمن أن يكون هاهنا أمر لا أقف عليه ، لأن هذا الملعون يحيى بن خالد قد تغير عليَّ لأمور شتى ، وقد كنت عزمت إن من الله عليَّ بالخروج من هذه العلة ، أن أشخص إلى الكوفة وأحرِّم الكلام بتةً وألزم المسجد ، ليقطع عني مشاهدة هذا الملعون ، يعني يحيى بن خالد ! قال فقلت : جعلت فداك لا يكون إلا خيراً ، فتحرز ما أمكنك ، فقال لي : يا يونس أترى أتحرز من أمر يريد الله إظهاره على لساني أن يكون ذلك ،