أشرف إلى بيت الدار فأشرفت فقال : ما ترى في البيت ؟ فقلت : ثوباً مطروحاً ! فقال : أنظر حسناً ، فتأملت ونظرت فتيقنت فقلت : رجل ساجد ! فقال لي : تعرفه ؟ قلت : لا قال : مولاك ! قلت : ومن مولاي ؟ فقال : تتجاهل عليَّ ! فقلت : ما أتجاهل ولكني لا أعرف لي مولى ، فقال : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر ! إني أتفقده الليل والنهار فلا أجده في وقت من الأوقات إلا على الحال التي أخبرك بها ، إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة دبر الصلاة إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدةَ فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصد له الزوال ، فلست أدري متى يقول الغلام : قد زالت الشمس ، إذ يثب فيبتدئ الصلاة من غير أن يُحدث ، فأعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى ، ولا يزال إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلى سجد سجدةً فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ! ولا يزال صلاته وتعقيبه إلى أن يصلى العتمة ، فإذا صلى العتمة أفطر على شِوىً يؤتى به ، ثم يجدد الوضوء ، ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومته خفيفه ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر . فلست أدري متى يقول الغلام إن الفجر قد طلع ؟! إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ! فهذا دأبه منذ حول إلى الآن ! فقلت : إتق الله ولا تحدثن في أمره حدثاً يكون فيه زوال النعمة ، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءً إلا كانت نعمته زائلة ! فقال : قد أرسلوا إليَّ غير مرة يأمروني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني !