زينتهم وكثرتهم ، فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان ، وقد جلس منفرداً فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاً على الناس في طريقهم ، والله لأمضين إليه ولأوبخنه ! فدنوت منه فلما رآني مقبلاً قال : إِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ، ثم تركني ومضى ! فقلت في نفسي : إن هذا لأمرٌ عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي ، وما هذا إلا عبدٌ صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحالَّني ، فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني !
فلما نزلنا واقصة إذْ به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه واستحله ، فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه ، فلما رآني مقبلاً قال لي : يا شقيق أتل : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى . ثم تركني ومضى ! فقلت : إن هذا الفتى لمن الأبدال ! لقد تكلم على سري مرتين . فلما نزلنا زُبَالة إذا بالفتى قائمٌ على البئر وبيده رَكْوَةٌ يريد أن يستقي ماء ، فسقطت الركوة من يده في البئر ، وأنا أنظر إليه فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول :
أنت ربي إذا ظمئتُ إلى الماء |
|
وقُوتي إذا أردتُ الطعاما |
اللهم سيدي مالي سواها فلا تحرمنيها ، قال
شقيق : فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها ، فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء ، فتوضأ وصلى أربع ركعات ، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب . فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد عليَّ السلام فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك . فقال : يا شقيق لم تزل نعمه علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك . ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكر ! فوالله ما شربت قط ألذَّ