شريعة واحدة ثابتة ، وإنما هم نفر من قبائل شتى ظهروا في مناطق مختلفة اتفقت فكرتهم في رفض عبادة الأصنام وفي الدعوة إلى الإصلاح.
وكان ظهورهم في أماكن مختلفة ومتباعدة في زمن واحد فظهروا في اليمن متأثرين بمبادئ التوحيد التي حملتها إليهم اليهودية والنصرانية. وظهروا في مصر على يد «أخناتون» الذي كان داعية التوحيد عندهم. وظهروا في بلاد فارس على يد «زرادشت» بعد مولد إبراهيم عليهالسلام بنفس الدعوة. وظهروا في الجزيرة العربية امتدادا لدعوة أبينا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهماالسلام ، فبقوا محافظين على شيء من تراث إبراهيم عليهالسلام من دعوة للوحدانية ، ونبذ لعبادة الأصنام ، والإقرار بالبعث والنشور ، والحشر وتبشير المؤمنين بالجنة ، وتخويف الكافرين من النار ، والابتعاد عن الخمر ، ووأد البنات ، وسيّئ الأخلاق.
وخير من وضح عقيدتهم «القس بن ساعدة» حيث وقف يوما في عكاظ خطيبا فقال : [... كلا بل هو إله واحد ، ليس بمولود ولا والد ، أعاد وأبدى ، وأمات واحيا ، وخلق الذكر والأنثى ، رب الآخرة والأولى. أما بعد : فيا معشر إياد ، أين ثمود وعاد؟ وأين الآباء والأجداد؟ وأين العليل والعواد؟ كل له معاد يقسم قس بن ساعدة برب العباد ، وساطح المهاد ، لتحشرن على الانفراد ، في يوم التناد ، إذ نفخ في الصور ، ونقر في الناقور ، وأشرقت الأرض ، ووعظ الواعظ ، فانتبذ القانط والصبر اللاحظ ، فويل لمن صدف عن الحق الأشهر ، والنور الأزهر ، والعرض الأكبر ، في يوم الفصل ، وميزان العدل ، إذا حكم القدير ، وشهد النذير ، وبعد النصير ، وظهر التقصير ، ففريق في الجنة وفريق في السعير ..](١).
وكانوا يستدلون على هذه الوحدانية بالعلاقات الكونية وإطالة التأمل والتفكر موضحين أنفتهم عن ديانة قومهم.
__________________
(١) البداية والنهاية ٢ / ٢٣٣ ـ ٢٣٣.