حيث قال قس بن ساعدة في سوق عكاظ يوما كذلك مبينا هذا الأمر :
[يا معشر الناس اجتمعوا فكل من فات فات ، وكل شيء آت آت ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، وبحر عجاج ، نجوم تزهر ، وجبال مرسية ، وأنهار مجرية ، إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا ، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ، أرضوا بالإقامة فأقاموا ، أم تركوا فناموا ، أقسم قس بالله قسما لا ريب فيه ، أن لله دينا هو أرضى من دينكم هذا ..](١).
والذي يؤكد أنهم كانوا على دين إبراهيم ومحافظين على بقايا شرعه ما حصل من زيد بن عمرو بن نفيل كما حدثت بذلك أسماء بنت أبي بكر قالت :
«لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة يقول : يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح منكم على دين إبراهيم غيري» (٢).
أما عباداتهم فقد ذكر أنه كان لهم صلاة فيها سجود. وذكر أنهم كانوا يعظمون الكعبة حيث قال زيد : اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم ثم يسجد على راحلته ، وكان يصلي إلى الكعبة وكان زيد «يحيي الموؤدة ولا يأكل الميتة» (٣).
وهؤلاء الحنفاء كانوا حريصين أن يصلوا لدين إبراهيم عليهالسلام ، وكانوا على يقين أن الله سيبعث من يجدد أمر دين إبراهيم عليهالسلام (٤) فاختاروا في ذلك كثيرا وأجهدوا أنفسهم في الوصول لذلك ، فساحوا في البلاد يلتمسون ما عند أهل الكتاب والملل لعلهم يجدون بغيتهم ، لذا فتنصر بعضهم كورقة بن نوفل ، وعثمان بن حويرث ، وعبيد الله بن جحش ، وتهود آخرون.
فبانتقالهم للنصرانية واليهودية يكونوا قد تركوا الحنيفية. أما من هداه الله
__________________
(١) نفس المرجع ٢ / ٢٣٠.
(٢) نفس المرجع ٢ / ٢٣٧.
(٣) نفس المرجع السابق ٢ / ٢٣٨.
(٤) الوحي المحمدي ٢ / ٩٦ ـ ٩٨.