منهم للإسلام فأسلم فيكون قد أصاب الحنيفية الحقة كزيد بن عمرو بن نفيل وأبي قيس بن الأسلت وعبيد الله بن جحش الذي أسلم بعد تنصره ومات على الحنيفية الأولى ، ومنهم كذلك قس بن ساعدة الذي ذكر أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سمعه في سوق عكاظ يخطب وقد مات قبل بعثة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (١).
وهؤلاء جميعا كانوا يبحثون عن دين كالإسلام ويبشرون بنبيه ويتمنون لو يدركوه فينصروه ويسلموا معه كما وضح ذلك (قس بن ساعدة) وورقة بن نوفل.
أما ما استوهمه المستشرقون أن محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم تتعد أفكاره أفكار هؤلاء الحنفاء ، ودعوته لم تتعد ما دعوا إليه ، فهذا ناتج عن جهلهم بحقيقة الإسلام وتاريخ نبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. فالمعروف من سيرة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه لم يجلس لأحد من هؤلاء الحنفاء جلسة تعلم وإنما كان لقاؤه لهم لقاء عابرا وكانوا هم بحاجة لمن يبصرهم ويرشدهم للدين الذي يرضاه الله عزوجل. وأنا لا أنكر أنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لاقى بعضهم على جمل له أورق وذلك قبل البعثة وهو يخطب ويخبر بقرب بعثة نبي أظل زمانه وقد تمنى لو يدركه فيسلم معه وينصره وقد بشر من ينصره بالجنة وخوف من يخالفه بالنار. كما لاقاه ورقة بن نوفل مرتين لمدة قصيرة : فالأولى منهما كانت بطلب من السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ وبحضورها معه لتستوضح له من ورقة عن حقيقة ما رآه من أمر الوحي. والمرة الثانية لقيه ورقة في الطريق وقبل رأس رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأخبره أنه نبي هذه الأمة وتمنى لو يدركه وينصره يوم يخرجه قومه.
وهؤلاء الحنفاء كانوا في حيرة من أمرهم يبحثون عمن يوصلهم لدينه الذي يرضاه لهم أي دين إبراهيم عليهالسلام.
__________________
(١) ضعف المحدثون هذه الرواية ، وحكم عليها ابن الجوزي بالوضع والاختلاق ذكر ذلك الأستاذ أبو شهبة ، انظر المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة ص ٩٦.