سبق أن أشرت أنه لا يوجد دين من الأديان السماوية إلا وفيها ألوان من العبادة ، والصوم واحد من تلك العبادات المشتركة بين الديانات السماوية.
فالصوم عبادة عرفت من القدم فقد كانت عند قدماء البابليين والآشوريين والمصريين ، وهذا ما أشارت له الآية القرآنية وهي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١).
والصوم من العبادات التي عرفتها الصابئة الحرانيون (٢) وهي عندهم ثلاثين ليلة من الليل إلى شروق الشمس (٣) (أولها لثمان مضين من اجتماع آذار ، وتسعة أخر أولها لتسع بقين من اجتماع كانون الأول ، وسبعة أيام أخر أولها لثمان مضين من شباط وهي أعظمها ، ولهم تنفل من صيامهم ، وهو ستة عشر وسبعة عشر وعشرون يوما).
أما الصابئة المندائيون الحاليون يحرمون الصيام في طقوسهم الدينية ويرون أنه من باب تحريم ما أحله الله ، وإن كانوا يتظاهرون به في أول رمضان من كل سنة مجاراة لمجاوريهم من المسلمين كما كان يفعل ذلك أبو إسحاق الصابئي مع الشريف الرضي.
ونجدهم يمتنعون عن أكل اللحوم المباحة لهم (٣٦) يوما ، متفرقة على طول السنة ، على نحو امتناع النصارى عنها (٤).
فالناظر بعين فاحصة مقارنا بين الصيام عند الصابئة وعند المسلمين يجد أن الاجتماع والاتفاق كان في كلمة الصوم لا غير أما في الحقيقة والصورة فهما مختلفان تماما.
فصيامهم ليلا بينما صيام المسلمين نهارا.
__________________
(١) سورة البقرة آية (١٨٣).
(٢) الصابئون ـ الحسنى ص ٨٧ ـ ٨٨.
(٣) مصادر الإسلام ـ لتسدال ص ١٢.
(٤) الصابئون ـ الحسنى ص ٨٧ ـ ٨٨.