فالمستشرقون بنوا هذه الشبهة على مقدمات مبناها أن فكرة الوحي تكونت نتيجة تشبع العقل الباطن بما في البيئة من ثقافات وعقائد وغير ذلك مما جعل نفسه الصافية تفيض بما فيها من ذخائر وقد فصلت القول في كل ما زعموه كركائز للوحي النفسي من ثقافة يهودية ونصرانية ووثنية ومجوسية وزرادشتية وغير ذلك في فصل المصادر المزعومة للقرآن الكريم فليرجع إليها هناك.
وعلى إثر سقوط هذه المقدمات تسقط النتيجة التي توصلوا لها في تفسير ظاهرة الوحي أنها (وحي نفسي) أو ناتج عن رياضات روحية وتفكير طويل كإلهام الواصلين ، وكشف العارفين (١).
ولكن لا بد من كلمة عامة على هذه الشبهة ، فالناظر لهذا الدين وحقيقته يجده فريدا متميزا صافيا بكل ما جاء به من عقائد وشرائع عما كان موجودا في وسطه الذي كان يعيش فيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
فقد جاء هذا الدين عاما شاملا لكل نواحي الحياة ، سهلا في عبادته ، دقيقا في معاملاته ، رادعا في حدوده ، فذا في نظمه الاقتصادية والسياسية وغيرها ، عظيما في أخلاقه وآدابه ، إلى غير ذلك من المزايا والفضائل أكل هذه العقائد والنظم والتشريعات كانت مذكورة مدخرة في نفس محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ابن البيئة المختلفة العقائد ، والفقيرة الموارد ، المختلفة الأنظمة ، المضطربة الأخلاق والآداب؟.
فهذا الإسلام بعظمته ، والقرآن بربانيته يبطل كل هذه المزاعم ، والعلم يكشف كل يوم لنا من أسرار آياته في الأنفس والآفاق مما يؤكد أنه من تنزيل إلهي ، وليس فيه أدنى شيء لعقل بشري ، لأنه أعجز من أن يؤلف شيئا من مثل آياته فكيف تأتي هذه الفرية لتزعم أن هذا القرآن فيض بشري ووحي نفسي لمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
__________________
(١) مباحث في علوم القرآن ـ صبحي الصالح ص ٢٦.