فكيف إذن يعجز محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يأتيهم بجواب وهو صاحب العقل الباطن المملوء بالمعارف ، وصاحب الوجدان الملتهب ، والنفس المتوثبة ، والقريحة المتوقدة ، والبديهة الحاضرة.
ما ذا إلا لأن القرآن تنزيل من حكيم حميد لا دخل لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بشيء منه.
كما ينقض هذه الفرية كون العقل الباطن على ما يقول علماء النفس إنما يفيض بما فيه في غفلة من العقل الظاهر ، ولذلك لا يظهر ما فيه إلا عن طريق الرؤى والأحلام ، والأمراض كالحمى مثلا ، وفى الظروف غير العادية ، والقرآن الكريم لم ينزل شيء منه في هذه الحالات وإنما نزل على نبي الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقظة لا مناما ، وفي اكتمال من عقله وبدنه ، في تمام صحة نفسه فهكذا يظهر لنا جليا أن فريتهم الوحي النفسي التي أتى بها لإبطال الوحي الإلهي مكشوفة وما استندوا إليه من مقدمات باطلة مردودة ونتائجهم غير صائبة.
فبهذا يثبت الحق أن الوحي الإلهي من الله سبحانه وحده دون تدخل بشري (١).
والله تعالى أعلم.
أما ما استدلوا به لهذه الفرية بقصة الفتاة الفرنسية (جان دارك) فباطلة ، لأن (جان دارك) لم تدع النبوة ، ولو أنها ادعت لما صدقت ، لأن دعوى النبوة لا تثبت إلا بدليل وهي المعجزة ، ولم يظهر من هذا على يدها.
والفتاة لا شك أنها كانت قوية القلب ، مرهفة الحس ، أصيبت بهيجان عصبي لما أصاب قومها من اضطهاد وظلم مما حرك وجدانها بسبب شعورها الديني ، فاستنهضت قومها للقتال ، وقادتهم للخلاص من ذل الاستعباد. وهذا أمر متكرر في كل البيئات والأوقات أن يوجد في مثل هذه الظروف مثل هذه
__________________
(١) انظر المدخل لدراسة القرآن الكريم ص ٩٩ ـ ١٠٠.