زيدا عند ما فرغ منه راجعه ثلاث مرات ثم راجعه أمير المؤمنين عثمان ـ رضي الله عنه ـ مرة رابعة فلما اطمأن قلبه له حمل الناس عليه. لذا لقد نال هذا الكتاب من العناية والضبط ما لم ينله كتاب آخر وأي مصلحة في إسقاط شيء من كلام الحكيم الخبير الذي لم يجعل لهم عليه سلطانا فأرجع حفظه له وحده وتكفل ذلك بنفسه قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(١).
وإذا كان شعر النابغة أو شعر زهير بن أبي سلمى لا يستطيع أحد أن يزيد فيه شيئا أو ينقص منه شيئا لأن أمره سيفتضح فمن باب أولى هذا القرآن العظيم الأكثر اشتهارا.
فالدفاع عنه والمحافظة عليه مقدم على مثل هذه الأشعار. كما أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا يحتاطون لأحاديث الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلا يسمحون بالزيادة فيها أو الإنقاص منها والقرآن الكريم أولى منها بلا شك.
روي عن أبي سعيد الخدري قال : «كنت جالسا في مجلس من مجالس الأنصار ، فجاء أبو موسى فزعا فقالوا : ما أفزعك؟ قال : أمرني عمر أن آتيه فأتيته فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت فقال : ما منعك أن تأتينا فقلت : إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثا فلم تردوا علي ، فرجعت. وقد قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» (٢).
قال عمر : لتأتيني على هذا بالبينة ، فقال عمر لأبي موسى : إني لم أتهمك ولكنه الحديث عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وفي رواية أخرى وذكر أن عمر قال لأبي موسى : أما إني لا أتهمك ، ولكنني أحببت أن أتثبت» (٣).
فإذا كان هذا حال الصحابة مع الحديث النبوي الشريف من التحقق
__________________
(١) سورة الحجر الآية ٩.
(٢) انظر صحيح البخاري ٧ / ١٣٠ كتاب الاستئذان باب ١٣ التسليم والاستئذان ثلاثا.
(٣) انظر تاريخ القرآن وغرائب رسمه وحكمه ، محمد طاهر الكردي ط ٢ ، ١٣٧٢ ه ١٩٥٣ م ، ص ٦٣ وما بعدها.