قال تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)(١) والذي يدل أن الاستثناء صوري.
١ ـ ما جاء في سبب النزول وهو أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان يتعب نفسه بكثرة قراءة القرآن حتى وقت نزول الوحي مخافة أن ينساه ويفلت منه فأراد الله تطمينه.
٢ ـ إن قوله (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) فيه تعليق وقوع النسيان على مشيئة الله والمشيئة لم تقع بدليل قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)(٢).
أما الغرض من الاستثناء فهو :
١ ـ تعريفه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن عدم النسيان من فضل الله تعالى عليه فيدين له بالشكر والعبادة والذكر في كل وقت.
٢ ـ تعريف أمته على ذلك حتى لا يخرجوه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من مقام العبودية إلى مقام الألوهية كما فعل ذلك اليهود والنصارى بأنبيائهم.
وأيا ما يكن معنى الاستثناء فإنه لا يفهم منه أن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نسي حرفا واحدا مما أمر بتلاوته وتبليغه للخلق وإبقاء التشريع على قراءته من غير نسخ وذلك على أن المراد من النسيان المحو التام من الذاكرة.
ولا يمنع هذا من أن يشاء الله أن ينسيه ما أراد سبحانه نسخه فيذهب من قلبه قال تعالى : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) وأيا كان فإن المراد من الآية لا يشهد لدعواهم فالقصد نفي النسيان رأسا (٣) وما ورد من أنه نسي شيئا كان يذكره فإن صح ذلك فهو في غير ما أنزل الله من الكتاب والأحكام التي أمر بتبليغها ، وقل ما يقال سوى ذلك فهو من مدخلات الملحدين التي جازت على عقول
__________________
(١) سورة القيامة آية (١٦ ـ ١٨).
(٢) مناهل العرفان ١ / ٢٦١.
(٣) المدخل لدراسة القرآن الكريم ٢٩٣ ـ ٢٩٤.