المصاحف : [اعلم أيدك الله بتوفيقه أن الذي دعا السلف ـ رضوان الله عليهم ـ إلى نقط المصاحف بعد أن كانت خالية من ذلك وعارية منه وقت رسمها. وحين توجيهها إلى الأمصار ، للمعنى الذي بيناه والوجه الذي شرحناه ، ما شاهدوه من أهل عصرهم ، مع قربهم من زمن الفصاحة ومشاهدة أهلها من فساد ألسنتهم ، واختلاف ألفاظهم ، وتغير طباعهم ، ودخول اللحن على كثير من خواص الناس وعوامهم ، وما خافوه مع مرور الأيام ، وتطاول الزمان من تزيد ذلك ، وتضاعفه فيمن يأتي بعد ، ممن هو ـ لا شك ـ في العلم والفصاحة والفهم والدراسة دون من شاهدوه ، ممن عرض له الفساد ، ودخل عليه اللحن لكي يرجع إلى نقطها ، ويصار إلى شكلها ، عند دخول الشكوك وعدم المعرفة ويتحقق بذلك إعراب الكلم ، وتدرك به كيفية الألفاظ ..](١).
وقد جاءت إشارات لمحاولات تيسيرية لبعض الصحابة في بعض المواطن كأهل المدينة وأهل مكة الذين تركوا نقطهم وتبعوا أهل البصرة (٢) ولكن الأمر لم يصبح له قواعد وقانون إلا في عهد عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي وقد اختلفوا في أول من نقط المصاحف على أقوال :
قيل : إنه أبو الأسود الدؤلي أراد أن يعمل كتابا في العربية يقوم به ما فسد من كلام الناس .. فقال : أرى أن ابتدئ بإعراب القرآن فجعل الفتحة نقطة فوق الحرف ، والكسرة نقطة تحت الحرف ، والضمة نقطة أمام الحرف والتنوين نقطتين.
وقيل : كان عمله بطلب من زياد بن أبيه والي البصرة سنة ٤٨.
وقيل : بل كان عمل نصر بن عاصم الليثي سنة ٨٠ ه بأمر من الحجاج
__________________
(١) انظر المحكم في نقط المصاحف ـ لأبي عمرو الداني طبعة دار الفكر ط ٢ ، ١٤٠٧ / ١٩٨٦ م ص ١٨ ـ ١٩.
(٢) انظر كتاب النقط لأبي عمرو الداني ص ١٢٤ ـ ١٢٥ وكتاب المحكم في نقط المصاحف ص ٢ وما بعدها.