(مُسْتَقِيمٌ) : الاستقامة : الاعتدال وهي خلاف الاعوجاج.
* * *
حلقة في سلسلة مباركة
... ويتابع عيسى حديثه في التدليل على طبيعة مهمّته ورسالته ، فيعتبرها ـ كما هي عند الله ـ حلقة في السلسلة المباركة النبويّة.
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) فإن النبوّة الجديدة لا تلغي النبوّة القديمة ، لأن النبوات ليست منطلقة من شخص النبي في ذاتياته الفكرية ، بل من وحي الله الذي يشرّع للحياة كلها وللإنسان كله ، في الخط العام الذي تتكامل فيه الرسالات وتتوزع فيه الأدوار ، إلا ما يختص بمرحلة النبي في الزمن الذي يعيش فيه الناس الذين أرسل إليهم والأوضاع التي قد يعرض عليها التغيير ؛ وهكذا كان كل نبي مصدقا لمن قبله في رسالته وفي الكتاب الذي أنزل عليه ، ومنهم النبي عيسى عليهالسلام.
... فهو أحد الأنبياء الذين اختصهم الله برسالاته ، فقد جاء بعد موسى عليهالسلام وأقرّ الكتاب الذي أنزل عليه من التوراة وصدّق به ، لأنّ أحكامه لم تنسخ ـ في الأغلب ـ ولأن مفاهيمه لم يتجاوزها الزمن فلا تحتاج إلى تجديد ... وفي ضوء ذلك ، فإن موقفه الرسالي لا يمثل تحدّيا للمفاهيم والأحكام التي يؤمن بها هؤلاء الذين بعث إليهم من بني إسرائيل ، لأنه تركها على حالها ، ما عدا بعض الأحكام التي حرّمت عليهم كنتيجة لتمرّدهم ، فأراد الله أن يؤدبهم بالتشريع الصعب الذي يثقل عليهم مسئولياتهم ، حتى إذا انطلق الزمن في مدار جديد ، رفع الله عنهم ذلك كلّه ببركة هذا الرسول الجديد الذي جاء رحمة لهم وبركة عليهم : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).