في الحركة والبناء ، ووجّههم إلى توحيده باعتباره الفكر الذي يمثل إشراقة الوعي الكامل في وجدانهم ، لينطلقوا ، في وجودهم من معنى الوحدة في الإله إلى الوحدة في المسؤولية من خلال وحدة الإنسان في دوره الريادي في الأرض ، ليتجه الكون كله ـ ولا سيما الكون الحيّ في وجود الإنسان ـ إلى غاية واحدة ، وشريعة واحدة ، ونهج واحد ، من خلال الله الذي يقف الناس كلهم في موقع الطاعة له والعبودية له ، والسير في طريقه المستقيم ، لأن ذلك هو سبيل الإصلاح ، فإن تعدد الآلهة يؤدي إلى فساد الذهنية الحركية في الواقع كله ، فإذا واجهت أمثال هؤلاء الذين لا يعيشون الفكر مسئوليّة ، والصلاح هدفا ودورا ، ورأيتهم غافلين عما فيه نجاتهم وصلاح أمرهم ، فأعرض عنهم واترك أمرهم لله ، (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) الذين يفسدون الأرض بعد إصلاحها بإفساد العقيدة وإفساد الحياة من خلال ما يثيرونه من عقائد الباطل وأساليب الضلال ، وهو قادر على أن يعاقبهم بما يستحقون بعد أن قامت عليهم الحجة من جميع الجهات ، والله لا يحب المفسدين.
* * *
الدرس الذي نأخذه من هذا الأسلوب
أما الدرس الذي نستفيده من ذلك كله ، فهو العمل على توظيف الجانب الإيماني ، بعد ممارسة الجوانب العملية والفكرية ، في الحوار الهادىء العميق بين الإسلام وخصومه ، انطلاقا من الفكرة الحاسمة الواقعية التي تقول : إن على الداعية أن لا يهمل أي عنصر من عناصر التأثير على الآخرين في إيصالهم إلى الحقيقة ؛ أو في الإيحاء إليهم بالاطمئنان إلى قوة هذه الحقيقة .. حتى ليقف الإنسان في أشدّ المواقف حراجة في مجالات التحدي لثقته بأن الدعوة في المستوى القوي لمواجهة التحدي بأقوى منه.
وقد أثار علماء التفسير حديثا مطوّلا حول دلالة هذه الآية على بعض الجوانب الخلافية التي وقعت مجالا للأخذ والرد. وذلك مثل مصداقية كلمة