مناسبة النزول
قال صاحب مجمع البيان : عن ابن عباس قال : يعني بقوله : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) عبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأدّاه إليه ، فمدحه الله سبحانه. ويعني بقوله : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) فنحاص بن عازوراء ، وذلك أن رجلا من قريش استودعه دينارا فخانه ، وفي بعض التفاسير أن الذي يؤدي الأمانة النصارى ، والذين لا يؤدونها اليهود (١).
* * *
مفهوم خاطئ عند أهل الكتاب
في هذه الآيات تقرير عن مفهوم خاطئ يحمله أهل الكتاب عن طبيعة النظرة إلى أموال الآخرين من غيرهم من الشعوب في ما يضعونه عندهم من أمانات ، أو ما يقع تحت أيديهم من أموالهم ، وخلاصتها أن الله قد رخص لهم في استحلال هذه الأموال لأنفسهم ، فيجوز لهم الامتناع عن إرجاع الودائع إلى أصحابها ، كما يجوز لهم أخذها غيلة وسرقة وبغير ذلك من الأساليب ... وذلك انطلاقا من المفهوم العامّ الذي يعيشونه في داخل أنفسهم من احتقار الأميين ، وهم العرب على تفسير ، أو غير اليهود على تفسير آخر ، مما يعني عدم احترام دمائهم وأعراضهم وأموالهم ... وفي ضوء ذلك ، لا يمكن أن تأتمن أحدا منهم على شيء من مالك ، لأن الائتمان يتحرك من خلال المفهوم النفسي والروحي والأخلاقي الذي يعتبر الأمانة في داخل الذات في مركز القاعدة الروحية والأخلاقية التي تتفرع عنها الممارسات ، فإن الأخلاق ليست عملا طارئا يمارسه الإنسان في مظاهر معينة من أفعاله ، بل هو ملكة نفسية دافعة للعمل ، فإذا كانت القاعدة لديهم عدم احترام أموال الآخرين فكيف يمكن أن يتحقق الائتمان بشكل طبيعي؟!
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٧٧٧.