الآية في منهج الحوار
ويتحرك الحوار في استعراض المنهج الذي ينبغي للحوار أن يسير عليه ، فلا بدّ للمتحاورين في أيّ موضوع ، من أن يكونا محيطين به من جميع جوانبه ، لينطلق الحوار من منطق الفكر فيصل بهما إلى النتيجة الحاسمة ، ويساعدهما على الهدوء في الكلمة ، والحكمة في الأسلوب ، والعمق في الفكرة ، فإن ذلك هو سبيل العلماء الواعين للعلم ولرسالته ... أمّا إذا كان الطرفان لا يملكان المعرفة في ما يتحاوران به ، فإن الموقف سيتحوّل لديهما إلى حوار بالشتائم والكلمات اللاذعة والاتهامات الفارغة التي يحاول الضعيف أن يغطي بها ضعفه ، ليربح القضية بالباطل إذا لم يتمكن من الحصول عليها بالحق ... وبذلك لن يؤدي الحوار إلى نتيجة طيّبة ، بل يؤدي ـ بدلا من ذلك ـ إلى المزيد من التعقيد والعداوة والخوض بالباطل. وعلى ضوء ذلك ، فلا بدّ للأجهزة أو القيادات المشرفة على حركة الدعوة إلى الله ، من أن تختار العناصر الجيّدة التي تملك كفاءة الفكر والأسلوب والرؤية العميقة المنفتحة على الواقع ، لتستطيع أن تربح الموقف لصالح الإسلام من موقع قوّة الفكر والحجّة وعمق النظرة ، فتحقق للإسلام هدفه في الوصول إلى قناعات الناس من جهة ، وتعطي للدعوة الوجه القويّ المنفتح من خلال ما تبرز به للناس من سماحة الحوار وقوّته ...
ولعل ذلك هو السبب في ما كان يقوم به الإمام جعفر الصادق عليهالسلام من نهي بعض أصحابه عن الكلام ، ودعوة بعض آخرين إلى الخوض فيه ، لضعف أولئك وقوّة هؤلاء ، فإذا خاض الضعيف الحوار ، كان ضعفه حجّة للمبطل على المحق ، فيؤدي ذلك إلى ضعف موقف الحق وانهزام المؤمن نفسيا أمام ذلك. أمّا إذا خاض القويّ الموقف ، فإنه يعطي الحجّة من موقع الحق ، ويمنح الحق قوّة الموقف.
وقد لا يكفي ـ في هذا المنهج ـ أن يملك الداعية قوّة الحجّة على سبيل