الإنسان إلى الحياة بعد أن تحوّل إلى عظام نخرة. وذلك ما حكاه الله عنهم في قوله تعالى : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [المؤمنون : ٨٢] (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [الصافات : ١٧]. ولكن القرآن يريد أن يوجههم إلى ضرورة التعامل مع الأشياء من خلال القاعدة التي تحكمها وترتكز عليها في ضوء المنهج العقلي الذي يوحّد بين النظائر والأمثال في قضية الإمكان إذا كان الأساس الذي ترجع إليه واحدا ... ففي قضيّة المعاد ، جاءت الآية الكريمة التي تساوي بين الخلق والإعادة في قدرة الله ، وذلك قوله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ* أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ* إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٧٨ ـ ٨٢].
* * *
عقليّة إيمانية
... وهكذا أراد الله للإنسان أن يخرج من جوّ الألفة إلى جوّ التفكير ، لأن الإخلاد إلى المألوف يبعد الإنسان عن النفاذ إلى عمق الأشياء ، ويربطه بالجانب السطحيّ منها ، لتنطلق الحياة في أفكاره من موقع الفكر والتأمّل. ولمّا كانت قضية خلق عيسى عليهالسلام من القضايا التي أثارت كثيرا من الجدل والدهشة ، بادر قوم إلى إنكار ولادته من دون أب ، فاتّهموا مريم عليهاالسلام بالسوء والفحشاء ؛ وحاول قوم أن يرفعوه إلى مرتبة الألوهية ، فجاءت الآية لتقول لهؤلاء الذين استغربوا ذلك ، إن ارتباط تفكيركم بطريقة خلقكم من خلال عمليّة التناسل الطبيعية ، أبعدكم ـ كمؤمنين بالله ـ عن خلق آدم الذي ترجعون إليه في النسب ، فإنه انطلق بقدرة الله بشكل مباشر. فكيف تمّ خلقه ، وكيف أمكن أن يتحقق بغير الطريقة الطبيعيّة؟ هل هناك شيء غير قدرة الخالق