ولكنه ـ كما أشرنا ـ أراد أن يعطيهم الإيحاء بالاطمئنان الكامل بصدق دعواه ، لأن الإنسان قد يعرّض نفسه للخطر ، ولكنه لا يعرض أبناءه وأهل بيته لما يعرّض له نفسه ممّا يمكن أن يتفاداه.
ولهذا أدرك القوم الموضوع وأبعاده ، فاهتزّت أعماقهم بالخوف من الخوض في هذه التجربة التي تستتبع اللعنة الفعلية التي تتجسد في عذاب الله وعقابه ، فأقلعوا عن الأمر وقبلوا الصلح.
* * *
موقع التحدّي الكبير
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) ـ في عيسى ـ في أنه «هو الله» ، وأنه «ابن الله» ، «وأن الله ثالث ثلاثة» ولم يبلغ الحوار نهايته الفكرية في قناعتهم الوجدانية ، أو أنه عبد الله ورسوله ، وأن الله لا إله إلا هو الأحد ، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٣ ـ ٤] ، (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) الذي قدمته إليهم من القرآن والآيات البينات على الحق ، فليكن للمحاججة أسلوب آخر حاسم تنطلق فيه من موقع التحدي الكبير الذي يقف فيه الإنسان بين يدي الله في مواجهته للإنسان الآخر في قضية العقيدة المرتبطة بقضية الإيمان بالله في مضمونه التوحيدي الحقيقي ، وهو الأسلوب الذي أخلص الإنسان في الأخذ به والاستعداد لنتائجه السلبية ، التي قد تمثل الخطر عليه وعلى من يتصل به ممن يقدمهم أمامه من أهله ليكونوا طرفا في المباهلة ، فهذا ما يمثل النهاية الحاسمة التي تتمثل في الواقع الإيجابي المنفتح لصاحب الحق والواقع السلبي المنغلق في حياة المضاد للحق (فَقُلْ تَعالَوْا) يا نصارى نجران ، هلموا إلى موقف آخر يتمثل فيه العمق العميق للرأي القوي والعزيمة الحازمة ، (نَدْعُ أَبْناءَنا) الذين يجسدون أعمق علاقة حميمة يعيشها الإنسان في علاقته بالناس ، بحيث تتصل حياته بامتداد حياتهم وعاطفته بالمعنى العميق لوجودهم ؛