مناسبة النزول
قيل في سبب النزول أقوال : (الأول) : إنها نزلت في نصارى نجران ، (الثاني) : إنها نزلت في يهود المدينة ، (الثالث) : إنها نزلت في الفريقين من أهل الكتاب (١) ؛ وربما كان هذا أولى لشموله لكل الذين يلتقي الإسلام معهم في القاعدة التوحيدية من دون اختصاص بفريق دون فريق.
* * *
منهج الحوار والعمل
في هذه الآية حديث مع أهل الكتاب في أسلوب جديد من أساليب الحوار التي أراد الله للنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما خاطبه به في وحيه ، أن يواجه به هؤلاء الذين يريد الإسلام الوصول معهم إلى نقطة اللقاء على أساس القناعة في الفكرة الواحدة ، أو التعايش في موقف التفاهم وإقامة الحجة الواضحة التي لا ريب فيها ولا التباس ...
ولعل قيمة هذه الآية في ما تعالج من أسلوب ، أنها تمثل للإنسان الداعية منهجا للحوار والعمل في كل مواقفه العملية في الحياة ، فإن القرآن عند ما يطرح أية قضية في أي مجال من مجالات الحوار مع الآخرين ، سواء أكانوا من المشركين أم كانوا من أهل الكتاب ، لا يتحدث عن التاريخ لمجرّد حكاية التاريخ ، بل يريد أن يفسح المجال للمفاهيم العامة الحيّة كي تتحرك في الساحة من خلال النموذج الحي ، الذي ينقل إلينا الفكرة والتجربة معا ، لتكون الفكرة جاهزة للحياة وللحركة في ضوء حركتها الفاعلة في التاريخ. وتلك هي قصة التاريخ في الإسلام في سلبياته وإيجابيّاته في ما نأخذ منه من عبرة للحاضر على أساس حركة الواقع في الماضي بعيدا عن كل لهو بالقصة ، أو استرخاء مع الحدث الغارق في ضباب الماضي.
__________________
(١) انظر : مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٧٦٦.