ثم إنّ الله يخاطب أهل الكتاب الذين أنكروا رسالة النبّي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فيواجههم بآياته البينات التي يشهدونها ويرونها رأي العين ، ويعيشونها في أفكارهم بعمق ، ليتساءل بتأنيب وإنكار وتوبيخ : لماذا هذا الكفر بالحقائق الواضحة التي لا لبس فيها ولا ارتياب؟ كيف يمكن للإنسان أن يكفر بما يشهد به وجدانه ثم يؤكده مجددا ، عند ما يقف وقفة صراحة أمام الوجدان؟ وهذا فيه إشارة إلى الأساليب التي كانوا يمارسونها ضد الرسول ، فهم يعرفون الحق من خلال ما تصرّح به التوراة من صدق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكنهم يكتمونه عن النّاس ، فإذا ظهر للنّاس شيء من ذلك أو أقبلوا عليه ، حاولوا أن يضيفوا إليه بعض الباطل من أجل أن يجعلوا القضية في موقع الالتباس والشك لدى البسطاء من النّاس الذين لا يستطيعون في كثير من الحالات تمييز الحق من الباطل في مواقع الشبهات ...
* * *
المستشرقون وأساليب اللبس والتضليل
وقد لاحظنا في خطوات أهل الكتاب من اليهود والنصارى في حركة التبشير التي قادها المبشرون والمستشرقون الذين ساروا في الكتائب الأولى للاستعمار ، أنهم حاولوا أن يثيروا الأكاذيب والافتراءات ضد الإسلام ورسوله ، وعملوا على تشوية وجه الصورة الحقيقية بما يضيفونه من شبهات تبعث الريب في ما لا ريب فيه ، وتثير الشك في ما لا يترك مجالا للشك. وما زالت الإثارة الحاقدة تتنوّع وتتلوّن بأساليب مختلفة ، من خلال ما يحققونه من نصوص ، وما يفسرونه من تفسيرات ، وما يطلقونه من أبحاث ودراسات يلبسون فيها الحق بالباطل معتمدين على الأوضاع السلبيّة التي يمرّ بها المسلمون ، وعلى الثقة العلمية التي يحصلون عليها من خلال أكذوبة الحياد الفكري ، والموضوعية العلمية التي يتظاهرون بها بإزاء الضعف النفسي والفكري والروحي