الإسلام ونقض العهود
إنّ الحياة الاجتماعية ، في كل مجالاتها الحيويّة ، ترتكز على أساس المواثيق والعهود التي يفرضها الفرد على نفسه من خلال قناعاته ومرتكزاته وحاجاته ، أو تفرضها المجتمعات على نفسها للآخرين ، في نطاق الدول أو المؤسسّات أو الجماعات ... وليس لهذه المواثيق والعهود قيمة في الوصول إلى توازن الحياة من خلالها ، إلا في نطاق الالتزام بها والوفاء بمقتضياتها. وقد أكّد الله على ذلك في هذه الآية باعتبارها عهدا لله ، فمن ينقض أيّ التزام في يمين أو عهد ، فإنه ينقض عهد الله وذلك من خلال ما أمر الله به من الوفاء بالعقود في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] وقد كنّى عن نقض العهد واليمين بالاشتراء بهما ثمنا قليلا ، لأنّ الإنسان لا ينقض عهده إلّا لمصلحة مالية أو ذاتية في نطاق آخر ، فكأنه يأخذ عوض العهد واليمين ثمنا من مال أو جاه أو شهوة أو غير ذلك مما يريده النّاس من عرض الحياة الدنيا ...
ونلاحظ اهتمام الإسلام الكبير بالعهد أنه ـ في سورة براءة ـ أعلن البراءة من المشركين كافة ، واستثنى المعاهدين منهم ، وذلك قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) [التوبة : ٤] وقوله تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [التوبة : ٧] مما يوحي بأن قضية الوفاء بالعهد في الإسلام لا تنظر إلى طبيعة من عاهدته من حيث عقيدته أو التزامه أو سلوكه ، وذلك هو قوله تعالى : (لا خَلاقَ لَهُمْ) ، بل تنظر إلى طبيعة التزام المسلم به كخلق إسلامي أصيل يفرض عليه مسئولية لا بدّ له من القيام بها والوقوف عندها ؛ مما يعني أن معنى أن تكون مسلما هو أن تلتزم بعهدك لأيّ إنسان كان. فإذا لم تفعل ذلك ، فإن عليك أن تتلقى هذا التنديد من الله ، فتكون ممن لا خلاق لهم ولا نصيب في الآخرة ، لأن نصيب الآخرة هو للّذين حملوا مسئولية الإيمان في الدنيا في