وتقف العذراء عليهاالسلام للتساؤل ، بعد أن عاشت غيبوبة روحيّة لذيذة خاشعة مع هذه البشارة الكبيرة ومعناها. وكيف يكون لها ولد ؛ وهي بعد لما تتزوّج ولم يمسها بشر لتتحقق من خلال ذلك الوسيلة الطبيعية لولادة هذا المولود العجيب؟ (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) في مناجاة تشبه الاستغاثة وتتوسّل في جلاء غموض هذا السرّ. ويأتيها الجواب من الله : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) فليست هناك حدود للوسائل التي تحقق الوجود ، لأن مشيئته هي كل شيء في الخلق ، فإذا أراد الشيء وجد ، فليس هناك إلا مشيئته فهي سرّ الوجود وسرّ الحياة (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). وترجع إلى إيمانها في هدوء واستسلام ، ولكنها تظل في جوّ الأسرار الذي يحيط بها من كل جانب ، فهي تؤمن أن القضية كل القضية هي مشيئة الله ، ولكنها لم تعرف ـ حتى الآن ـ كيف تتحرك المشيئة في ولادة هذا المولود العجيب.
* * *
إشكالات وملاحظات
وهنا ملاحظة ، وهي أن الآية تحدثت عن امتداد عمر عيسى عليهالسلام إلى مرحلة الكهولة ، ولكن الأناجيل تصرّح أنه لم يعش في الأرض أكثر من ثلاث وثلاثين سنة ، وقد حاول البعض أن يتحدث عن بلوغه السن المذكورة بعد نزوله من السماء ، ويتحدث بعض آخر عن أن عيسى عليهالسلام بلغ أربعا وستين سنة خلافا للأناجيل.
وربّما أوّل بعض المفسرين الآية بأن المراد بها هو أن عيسى عليهالسلام يكلم الناس في المهد بالطريقة التي يكلمهم فيها كهلا ، لأن قضية تكليمه للناس في المهد ـ وهي مرحلة السنة الثانية ـ ليس أمرا عجيبا ، لأن أغلب الأطفال يتكلمون بطريقة طفولية معينة ، ولكن العجيب أن يكلّمهم كلاما تاما يعتني به العقلاء من الناس كما يعتنون بكلام الكهل ، فهذا هو الخارق للعادة.