هي مرتبطة بالإرادة بشكل مباشر أو غير مألوف ؛ لأمر الذي يجعل نسبته إلى الكلمة أقرب من نسبة سائر الأشياء إليه. أما كلمة المسيح فالأقرب أنّها معرّبة ، وتعني المبارك أو الملك أو ما يقرب من ذلك ، وذلك ما ينقله المفسرون ، وربما يوحي بذلك ما ورد في آية أخرى ، في ما حكاه الله عن قول عيسى : (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) [مريم : ٣١] وقد نسب إلى أمّه للإيحاء بأنه بلا أب.
ويثير المفسرون ـ في هذا المجال ـ مشكلة الحديث عن الملائكة بصيغة الجمع ... مع أن سورة مريم تتحدث عن ملك واحد وذلك في قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧] ، ولكن هذه الآية لا توحي أنه كان وحده ، فربّما كان هو الشخص الرئيس والآخرون معه كأتباع. وربّما كانت هناك وجوه أخرى تبرّر ذلك ممّا لا نطيل الحديث فيه.
ويفيض الملائكة الحديث عن صفاته ، للإيحاء بأهميّة هذا المولود وما يحققه للحياة من خير وبركة ، وما يمنحه لأمّه من شرف ورفعة : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا) فستكون له الوجاهة في الدنيا من خلال موقعه الرسالي في ما يثيره من قضايا ومواقف ، ومن خلال إيمان الناس بنبوّته ورسالته ، وتبجيلهم وتقديسهم له ، (وَالْآخِرَةِ) وسيحصل على الوجاهة في الآخرة في ما يرفعه الله من درجات جزاء لجهاده وتضحياته وآلامه القاسية التي تحمّلها في سبيل الله (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) وسيكون من المقرّبين إلى الله ، انطلاقا من قربه الروحي والفكري والعملي إلى الله في خشوع العبادة وخضوع العمل ...
وتتجسد المفاجأة أمامها وتأخذها الدهشة حتى لا تكاد تصدّق ما تسمع من الملائكة ، فهم يقولون لها : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) ويحدّثهم ويحاورهم ، مما لم يألفه الناس في أولادهم ... ويسترسلون في الحديث ، كأنّهم لم يتحدثوا بشيء غريب يفرض التوقّف على المتكلم والسامع من أجل الخروج من جوّ الدهشة والغرابة : (وَكَهْلاً) فإنه سيعيش إلى عمر الكهولة ، (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) يعيش حياة متحركة مع الناس ، وسيبقى رمزا للصلاح في خطواته وأعماله كما يعيش الصالحون في الحياة.