وهكذا نجد في هذه الآية الكريمة خطا إسلاميا ممتدا في حياتنا الرسالية في مجال الدعوة والعمل ، وحركة الوعي المنفتح على الواقع والإنسان.
* * *
لم تحاجّون في ما ليس لكم به علم؟!
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) يا أهل الكتاب (حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) مما تملكون علمه من دينكم من خلال ما قرأتموه في التّوراة أو الإنجيل وهذا من حقكم ، كما هو حق كل إنسان ينتمي إلى فكر يملك علمه ليجادل الناس فيه. وربما كان هذا الكلام إشارة إلى الجدل الواقع بين اليهود والنصارى في تأكيد كل منهما عقيدته ونفي العقيدة الأخرى ، كما كان يفعله اليهود في إنكار أن يكون عيسى عليهالسلام ربا أو ابنا لله ، أو ما كان يفعله النصارى من نفي امتداد اليهود إلى ما بعد السيد المسيح عليهالسلام. وربما تكون مسألة العلم ـ هنا ـ تعبيرا عن الثقافة ، بعيدا عن فرضية الصواب باعتبار أنهم يملكون الجدال حوله من خلال ذلك.
(فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) لأنه لا يمثل أية حقيقة دينية أو تاريخية. وهذا ما لا ينبغي للإنسان العاقل أن يفعله ، لأنه يؤدّي إلى التخبط في مواقع الجهل والابتعاد عن الحقيقة ، والاستغراق في متاهات الضلال. (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فهو المحيط بكل شيء ، الذي لا يغرب عن علمه مثقال ذرة ، فأرجعوا الأمر إليه في ما أنزل من وحي يتضمن الحقائق ويشير إلى خط اليقين ، أما أنتم فلا تملكون العلم إلا من خلال ما يسّر لكم من سبله ، فلا تندفعوا في طريق لا تعرفون طبيعته ولا تبلغون مداه.
* * *