بالحنفاء ، وبهذا اتخذت كلمة الحنفاء معنى مغايرا للمعنى الحقيقي ، فأصبحت تدل على الاتجاه الباطل الذي يميل فيه الناس عن الحق إلى الباطل باعتبار أن العرب كانوا يلتزمون «الحنيفية الوثنية» ، فجاءت هذه الآية لتنفي هذه النسبة إلى إبراهيم عليهالسلام ، فهو لم يكن يهوديا يحمل خطه انحراف اليهودية ، ولم يكن نصرانيا يلتزم انحراف النصرانية ، ولم يكن مشركا ينسجم مع طريقة أهل الشرك في عبادة الأصنام بحجة أنها تقربهم إلى الله زلفى ، بل كان حنيفا بالمعنى الأصيل لهذه الكلمة التي تعني في كلّ مضمونها الاستقامة على طريق الحق في العقيدة ، والعمل بالميل عن خط الانحراف إلى خط الاستقامة ، وكان مسلما بالمعنى الشامل للإسلام الذي يعني إسلام الفكر والقلب والحركة والحياة لله في كل أموره ... وهو الخط التوحيدي في العقيدة والعبادة والطاعة الذي يمثل إبراهيم عليهالسلام عنوانه في كل كلماته ومواقفه ومنطلقاته.
* * *
الاتباع يحدد العلاقة
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ). ثم يطرح الله سبحانه علاقة إبراهيم بالناس وعلاقة الناس به ، فليست العلاقة بأصحاب الرسالة علاقة نسب تمنح الآخرين أولويّة به ، وتعطيهم امتيازا على بقية النّاس في رابطة القرب به ، لأن هؤلاء العظماء يفقدون خصوصياتهم باندماجهم بالقضايا العامة ، فتتحول علاقتهم بالآخرين إلى علاقة رسالة وفكر وعمل ، ويتحوّل الانتماء إليهم إلى الانتماء لما يمثلونه من رسالة الفكر والعمل ، لأنها أصبحت كل حياتهم. وفي ضوء ذلك ، يقرر الله لأهل الكتاب القول الفصل في خط هذه الحقيقة ، فليس أولى النّاس بإبراهيم عليهالسلام هم الذين ينتمون إليه بالنسب ، بل هم الذين ينتمون إليه في العقيدة والعمل من الذين اتبعوه في حياته وبعد مماته ، (وَهذَا النَّبِيُ) الذي يحمل رسالة الإسلام التي أوحى بها الله إليه سائر على الخط نفسه