(لِتَحْسَبُوهُ) : أي : لتظنوه ، والفرق بين حسبت وزعمت ، أن زعمت يحتمل أن يكون يقينا وظنا. وحسبت لا يحتمل اليقين أصلا ـ كما جاء في مجمع البيان (١).
* * *
انحراف عمليّ عند أهل الكتاب
(وَإِنَّ مِنْهُمْ) أي : من اليهود ، (لَفَرِيقاً) أي : طائفة لا كلّهم ، (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ) من خلال محاولة إيجاد بعض عناصر الشبه به في اللفظ أو المعنى ، (وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
وهذه ظاهرة من ظواهر الانحراف العملي لدى أهل الكتاب ، من خلال ما كانوا يقومون به من تحريف كلام الله ، وهو الذي أشارت إليه الآية بكلمة : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) فإن اللّيّ هو عطف الشيء ، ورده عن الاستقامة إلى الاعوجاج على سبيل الكناية عن التحريف ... وذلك بالأساليب الفنيّة التي يتقنونها ، بحيث يعطون الكلمة المحرّفة بالزيادة أو النقصان ، جوّا يقترب بها من أجواء التوراة ، فيخيّل للسامع أنها من الكتاب لشبهها بكلماته وأجوائه ، ولكن المتأمّل المتدبر الذي يعرف كتاب الله في أسلوبه ومضمونه ومقاصده يستطيع أن يجزم بأنّ ذلك ليس من الكتاب ، لأنه يبتعد عنه في ما يثيره من قضايا أو ما يتجه إليه من أهداف. وتلك هي طريقة القرآن في توجيهه للمسلمين ولغيرهم لاستيعابهم للقرآن ، ليستطيعوا أن ينطلقوا من خلال ذلك في معرفة معانيه من جهة ، وفي التمييز بين كلام الخالق وكلام المخلوق من جهة أخرى. وفي ضوء ذلك يمكننا أن نلاحظ أنّ التحريف الذي ينسبه البعض إلى
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٧٨٠.