قالوا : فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : قل لهم : ما تقولون في آدم ، أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالوا : نعم. قال : فمن أبوه؟ فبهتوا ، فأنزل الله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) الآية ، وقوله : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) إلى قوله : (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ).
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فباهلوني ، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم ، وإن كنت كاذبا أنزلت عليّ. فقالوا : أنصفت ، فتواعدوا للمباهلة ، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد والعاقب والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه فإنه ليس نبيا ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله ، فإنه لا يقدم أهل بيته إلا وهو صادق. فلمّا أصبحوا جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، فقال النصارى : من هؤلاء؟ فقيل لهم : هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وهذه ابنته فاطمة عليهاالسلام ، وهذان ابناه الحسن والحسين عليهماالسلام ، ففرقوا فقالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : نعطيك الرضى فاعفنا من المباهلة ، فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على الجزية وانصرفوا» (١).
* * *
أسلوب الحوار الاسلامي
ولعل قيمة هذه القصة ، أنها تجسد لنا الأسلوب الإسلامي في الحوار ؛ حين يريد الاحتجاج لفكره من جهة ، ومواجهة الأفكار المضادة من جهة أخرى ، وتعرّفنا مبلغ التسامح الإسلامى الذي يريد لأتباعه أن يمارسوه مع الآخرين ، انطلاقا من الممارسات النبوية الرائعة ، من مركز القوة لا من مركز الضعف.
__________________
(١) نقلا عن : تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ٢٦٤.