سبحانه؟ فإذا كانت القدرة هي السبب في خلق إنسان بلا أب وأم ، فكيف تستبعدون أن تتحرك القدرة في خلق إنسان بلا أب؟ فكلما كان الخلق الأول ناشئا من إرادة الله التي تمثلها كلمة «كن» فكذلك خلق عيسى عليهالسلام ، حتى خلق الإنسان بالشكل الطبيعي ، فإذا ابتعدنا عن الألفة وتجرّدنا عن جوّها ، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ، كيف تمّ ذلك؟ ومن الذي ربط بين السبب والمسبّب؟ وهل هناك إلا قدرة الله التي أعطت السبب قوّة السببيّة في حركة الوجود؟
* * *
عيسى كآدم من خلال قدرة الله
وهذا ما جاءت به الآية الكريمة لتأكيده كحقيقة عقلية في الإمكان ، إيمانية في الوقوع : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) في التدليل على قدرة الله التي لا يعجزها شيء ، مهما تنوعت خصائصه وأشكاله ، (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) أي : آدم ، (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) من خلال ما تمثله الكلمة من معنى الإرادة في كلمة التكوين.
وهذه قاعدة عامة في التفكير الديني في ضوء المنهج العقلي ، الذي يضع قدرة الله في الحساب ، ويحرّك التفكير في هذا الاتجاه ليربط بين الأشياء كلها من خلال ذلك. وهذا ما يجب أن تتركز التربية الإيمانية عليه ، لئلا يستسلم الإنسان إلى القضايا العادية في مشاهداته وتجاربه الحسيّة ، فينكر كثيرا من قضايا الغيب من خلال استسلامه للحس.
ثم يؤكد الله حركة الحقيقة في نفس الرسول ، فيؤكد ثباتها لأنها مستمدة من الله خالق الأشياء ، فلا يمكن أن يقترب إليها الريب ، أو يطرأ عليها الشك : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي : هذا هو الحق من ربك ، فهو مصدر الحق في كل مفرداته ، لأنه مصدر الخلق كله والوجود كله ، فكل شيء مربوب له ، وكل