أجواء مغمورة باللطف الإلهي
... وتبقى مريم في أجواء روحيّة مغمورة باللطف الإلهي ، فقد أراد الله لها أن تعيش في حياتها السرّ الكبير الذي تتجلى فيه قدرة الله بأسلوب جديد لم يألفه البشر ، ولا بدّ لهذه الإنسانة التي اختارها الله من بين الناس ، من أن تعدّ نفسها لذلك إعدادا روحيّا مميّزا يوحي بالطهر والقداسة والاطمئنان ، وذلك في نطاق المشاعر العميقة برعاية الله لها وعنايته بها وحمايته لها من كل سوء ؛ فكان لها ذلك الجو الذي عاشته في حضانة زكريا وكفالته .. وامتدّ في حياتها بما أنزل الله لها من رزق يوحي بالكرامة في أجواء الغيب الذي ترفرف فيه الملائكة من خلال ما تحس به هذه الإنسانة الطاهرة ، مما قد يبعث في داخلها الدهشة والطمأنينة معا .. وبدأت الملائكة تحدثها ، في اللحظات التي أريد لها أن تقترب من موعد السر الكبير ، لتشعر بالحماية الإلهية قبل أن تدهمها المفاجأة التي تدخلها في التجربة الصعبة ..
وأخبرتها الملائكة بأن الله اختارها لكرامته وجعلها طاهرة من الدنس ، ليتعمّق في إحساسها الشعور بالطهر فلا يداخلها أيّ وهم طارئ بسبب ما ينتظرها من موقف غير مألوف ، لأن ذلك هو معنى عملية الاصطفاء من خلال ما توحي به من التميّز والتقدّم ... وربما كان في تكرار كلمة «الاصطفاء» تأكيد للفكرة وإيحاء بأنّ ما يحدث لها لم يحدث ولن يحدث لغيرها من نساء العالمين ... فهنّ لا يحملن إلّا بالوسائل الطبيعية للحمل ، أمّا هي فستحمل بوسيلة جديدة من وسائل القدرة الإلهيّة لولادة الإنسان ، الذي سيكون مميّزا ومعجزة في طريقة خلقه ونموّه العقلي والروحي.
وربما أثار هذا النداء في نفسها شعورا بالحيرة أمام هذا السّر الخطير الذي يلفّه الغموض والإبهام ، فهي تعرف أنه سرّ عظيم ، ولكنها تجهل كنهه ، وتريد أن تعي ماذا يجب عليها أن تفعله من فروض الشكر له على هذه الكرامة الخفيّة؟
... وحدّثتها الملائكة أن عليها أن تبقى في أجواء عبادة الله لتبقى في