الحد ، فتكون بمثابة قضية في واقعة ، وتعود الرسالة إلى مجراها الطبيعي ، ويعود الرسول إلى الوسائل العادية ، ويتحرك الصراع من جديد ليعيش النبي هنا وهناك أكثر من مشكله وهمّ وبلاء ؛ فيتحمل الألم القاسي ، ويواجه التحديات الصعبة كأيّ إنسان آخر من دون أن يبادر إلى أية وسيلة غير عادية للتخلص من ذلك كله.
أمّا التشريف ، فإنّه لا يتمثل في إعطاء القدرة من دون قضية ، أو توسيع السلطة من دون مسئولية ، والله يشرف أنبياءه من خلال رفع درجتهم عنده من خلال تقريبهم إليه ومحبته لهم وعلوّ مقامهم في الآخرة ، أما الدنيا فلا قيمة لها عنده ، ولذلك لم يجعلها أجرا لأوليائه بل أتاح الفرصة الكبرى فيها لأعدائه.
إنّنا لا نجد أية ضرورة أو حاجة تفرض إعطاء الولاية التكوينية المطلقة لهم إلّا بالمقدار الذي تحتاجه الرسالة في أصعب أوقات التحدي مع احتمال أنها ليست من قدرتهم ، ولكنّها قدرة الله بصورة مباشرة. ثم ما معنى هذه الولاية التي لا أثر لها في حياتهم من قريب أو من بعيد ، ولا دخل لها في حماية رسالتهم ، فلم يستعملوها في إذهاب الخطر عنهم ، ولم يتحركوا بها في الانتصار لرسالاتهم ، وذلك من خلال قراءة تاريخهم الصحيح كله؟
* * *
أدلة الولاية التكوينية
الناحية الثانية ناحية الدليل على ثبوتها من خلال النص القرآني في نطاق المعاجز الخارقة في حياة الأنبياء ، فنلتقي في البداية بالنبي نوح في قوله تعالى : (* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ* فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر : ٩ ـ ١٢] وهي واضحة الدلالة على أن المسألة كانت دعاء نوح