الذي جعل لهم القدرة في دائرة إنسانيتهم في أوضاعهم الخاصة والعامة ، من خلال ما أوكل الله إليهم من مهمّات تتصل بالمسؤوليات الملقاة على عواتقهم ، والحوافز المرتبطة بتطلعاتهم وحاجاتهم ، ولا بد من أن يكون له القدرة على توسيع هذه الإمكانات لأكثر من مهمة جديدة في الكون. ويبقى الله مسيطرا ومهيمنا على الأمر كله ، فله أن يبقيها لهم في مدى حكمته ، وله أن يسلبها عنهم في مدى قدرته ، وليس في ذلك أيّة منافاة أو انحراف عن العقيدة التوحيدية التي ترتكز على أن الخلق والأمر له في كل شيء ، فلا يملك أحد من أيّ شيء إلا ما ملّكه الله ، لأن القضية قضية عطاء إلهي يتحرك في الدائرة الخاصة التي يحددها الله لعباده من خلال إرادته المطلقة التي لا يعجزها شيء.
النقطة الثانية : جانب الحاجة أو الضرورة لذلك ، والسؤال : لماذا يجعل الله لهم هذه الولاية التكوينية؟ هل هناك مهمة تتوقف على ذلك ، بحيث تكون المسألة هي أن يملكوا القدرة الفعلية الشخصية بحيث يصدر الفعل منهم فلا يتحقق الهدف إلا من خلال ذلك ، أم هي قضية تشريف إلهيّ لهم حيث يمنحهم هذا الموقع الكبير الذي لا يملكه أحد في الوجود غيرهم؟
هذه علامات استفهام تطوف في الذهن ، فلا نجد لها جوابا إيجابيا يؤكد النظرية ، فنحن نعلم أن دور الأنبياء هو دور تبشير وإنذار وتبليغ ، وإذا كان لهم دور تنفيذي فإنهم يتحركون فيه من خلال الوسائل العادية المطروحة بين أيديهم في الحالات العادية. فإذا جاء التحدي الكبير الذي يحوّل الموقف إلى خطر كبير على الرسالة والرسول ، بحيث كانت الوسائل العادية ذات مردود سلبيّ على الموقف والموقع ، لأنها تجعل القضية في حالة الضعف الشديد ، فإن المعجزة عندئذ تتحرك لتحفظ توازن الرسالة في موقع الرسول ، وتصدم واقع الكافرين بالصدمة القوية القاهرة التي تردّ كيدهم وتهدم كيانهم وتؤدي بهم إلى الضعف والهزيمة ، كما في طوفان نوح عليهالسلام ، ونار إبراهيم عليهالسلام ، وعصا موسى عليهالسلام ، أو يده البيضاء وفلق البحر له ، وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لدى عيسى عليهالسلام ، وقرآن محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتنتهي المسألة عند هذا