الأمانة التزام ذاتي داخلي
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) من خلال التزام ذاتي لا علاقة له بالخط الديني الذي ينتمي إليه ، بل قد تكون المسألة ناشئة من بعض المؤثرات البيئية الاجتماعية التي قد تربي الإنسان على بعض المفاهيم الإيجابية في قضايا الأمانة المالية ، بحيث تتحول القضية لديه إلى ما يشبه الخلق الراسخ في شخصيته. وقد تكون ناشئة من مصلحة اقتصادية في الحركة التجارية العامة ، باعتبار أن الإنسان الأمين في معاملته مع الآخرين يحصل على الثقة العامة في الوسط الاقتصادي ، الأمر الذي يمنحه أكثر من فرصة للحصول على الأرباح من خلال المبادرات التي يقدمها إليه الآخرون من أصحاب رؤوس الأموال في استثمار أموالهم عنده ، وفي الدخول معه في شركة تجارية أو غيرها.
(وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) إذا طالبته به لأنه لا يملك أي التزام نفسي في موضوع الأمانة ، فليست القضية لديه قضية مصلحة اجتماعية تتصل بمصالحه ليلتزم على أساس ذلك ، بل القضية قضية عقدة ذاتية تدفعه للخيانة الصغيرة والكبيرة ، ليحصل على بعض المكاسب المادية من خلال ذلك ، مستغلا غفلة الآخرين عنه وثقتهم به ؛ ولذا فإنه يبقى في عملية انتهاز للفرص السانحة ، فلا يمتنع عن الخيانة لك (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) بحيث تلازمه وتراقبه وتتقاضاه وتلحّ عليه ، فلا تترك له أيّة فرصة للهروب أو للإنكار ، بل يبقى في حصارك الذي يطبق عليه من خلال شهادة الناس من حوله أو نحو ذلك ، (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ) وهم غير اليهود ، (سَبِيلٌ) أي : مسئولية دينية في أخذها عدوانا وخيانة ، لأن القانون الديني لم يجعله الله ليقيّد اليهود في التزاماتهم ومعاملاتهم مع غيرهم ، فقد أباح الله لهم أموال الآخرين ممن لا يدينون بدينهم ، فهم الشعب المختار لله الذي جعل الدنيا امتيازا لهم ، وأراد للناس أن يكونوا خدما لهم في مواقع الاستغلال المشؤوم. فلهم الحرية في تصرفاتهم بأن يأخذوا ما يريدون ويدعوا ما لا يريدونه تبعا